3-هو الله الجامع- المعني اللغوي :
جاء في لسان العرب مادة جمع: جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعاً وجمعه وأجمعه فاجتمع واجدمع، وهي مضارعة، وكذلك تجمع واستجمع. والمجموع: الذي جمع من ههنا وههنا وإن لم يجعل كالشيء الواحد
وفي أسماء الله الحسنى: الجامع؛ قال ابن الأثير: هو الذي يجمع الخلائق
ليوم الحساب، وقيل: هو المؤلف بين المتماثلات والمتضادات في الوجود
-من دلائل الاسم في القران الكريم :
قوله تعالي :"ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد" ال عمران/9
- قال الشوكاني في فتح القدير : الجزء :1/ 480
"ربنا إنك جامع الناس" أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم "ليوم" هو يوم القيامة أي لحساب يوم أو لجزاء يوم على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. قوله: "لا ريب فيه" أي: في وقوعه ووقوع ما فيه يخلف الميعاد" للتعليل لمضمون ما قبلها: أي أن الوفاء بالوعد شأن الإله سبحانه وخلفه يخالف الألوهية كما أنها تنافيه وتباينه.اهـ
-وقال القرطبي في تفسيره : الجزء :4/23في شرح الآية :
أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم ، وفي هذا إقرار بالبعث ليوم القيامة . قال الزجاج : هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون وأقروا به و خالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حتى أنكروه . و الريب الشك و الميعاد مفعال من الوعد .اهـ
ومن دلائل القران أيضاً: قوله تعالي : " إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا"-النساء /140
قال ابن كثير في تفسيره الجزء :1 /753
يخبر وقوله: "إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً" أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.اهـ
-ومن دلائل الاسم من السنة:
- ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال ( أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون...) الحديث )
-قال النووي في شرح الحديث بتصرف:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم تحدثا بنعمة الله تعالى , وقد أمر الله تعالى بهذا ونصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى الله عليه وسلم . قال القاضي عياض : قيل السيد الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد , والنبي صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والآخرة , وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤود فيها , وتسليم جميعهم له , ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم , كما قال الله تعالى : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } أي : انقطعت دعاوي الملك في ذلك اليوم . والله أعلم . قوله صلى الله عليه وسلم : ( يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر ) أما ( الصعيد ) فهو الأرض الواسعة المستوية , وأما ( ينفذهم البصر ) قال الهروي : قال الكسائي : يقال : نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني قال : ويقال : أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت : نفذتهم بغير ألف , وأما معناه فقال الهروي : قال أبو عبيد معناه : ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم , وقال غير أبي عبيد : أراد تخرقهم أبصار الناظرين لاستواء الصعيد والله تعالى قد أحاط بالناس أولا وآخرا .
هذا كلام الهروي , وقال صاحب المطالع : معناه أنه يحيط بهم الناظر لا يخفي عليه منهم شيء ; لاستواء الأرض ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين , قال : وهذا أولى من قول أبي عبيد : يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه وتعالى ; لأن رؤية الله تعالى تحيط بجميعهم في كل حال في الصعيد المستوي وغيره . هذا قول صاحب المطالع . اهـ
- ومن أقوال أهل السنة والجماعة :
قال القرطبي في الأسني : ص/137
فجمعه بين المتباينات والمتضادات الذي هو من أعظم الدلالات على وجوده , وهو جمعه بين السماء وكوكبها , والأرض وبحارها, والمعادن المختلفة وما فيها - إلي غير ذلك مما استودع الأرض من الحيوانات والنبات , مما هو متباين الأشكال والألوان والطعوم والأوصاف . ومن تأمل الرمانة ولون قشرها , وشكله , وطعمه , وشكل حبها , ولونه , وطعمه ثم ما بين الحبات من دقيق قشرة , وغلظ الرمانة رأي أشياء متباينة قد حواها جسم واحد , وكذلك جمعه بين العظم والعصب والعرق والعضل والمخ والبشرة والدم وسائر الأخلاط في بدن الحيوان . وأما المتضادات فجمعه بين الحرارة والبرودة , والرطوبة والبيوسة في أمزجة الحيوانات وهي متنافرات متعاندات . وذلك أبلغ وجوه الحمع وتفصيل جمعه لا يعرفه إلا من يعرف تفصيل مجموعاته في الدنيا والآخرة . فيجب علي كل مكلف أن يعلم أن الله هو الجامع بكل اعتبار , ومن جهل أو شك فقد كذب بهذا الأخبار ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) ( التغابن /9 ) , ثم يجب عليه أن يجمع على عبادة ربه ويجمع همومه فيه , ولا يفرقها فيما عداه , وأن يكون جمعاً بين الآداب الظاهرة في الجوارح وبين الحقائق الباطنة في القلوب فمن كملت معرفته وحسنت سريرته فهو الجامع . ويقال : الجامع هو الذي جمع الفضائل وحوى المكارم والمآثراهـ