يعني: أنَّ القرآنَ هو الشِّفاءُ لِمَا في صُدوركم من الآفات التي قذَفها شياطينُ الجن والإنس في قلوبكم، وَأَوْقعوكم بها في ظُلمات بعضها فوق بعض، تهيَّأ لهم بسببها أن يلقوا في قلوبِكم هذه الأوْهام والخيالات التي أضلُّوكم بها، فاتَّخذتم مِنَ الخلْق أندادًا، وأبناءً للخالِق، وتنقصتُم الله الذي هو ربُّكم الحق، ولا شفاء ولا هُدًى ولا رحمة لكم، إلا بهذا العلم البيِّن الواضِح المنزل من عندَ الحكيم الخبير - ثم قال: ﴿ أَلاَ إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ﴾ [يونس: 66]؛ يعني: المستحيل أن يكون لهؤلاء المُقدَّسين ما زعمتُم من هذا النور أو الرُّوح الفائِض الذي جعلتموهم به شركاءَ لله في صِفاته، وبالتَّبَع أشركتموهم معه في عبادتِه وحقِّه، وليس عندَكم بذلك الزعم والوهم والخيال أي برهان، لا حِسي ولا عقلي ولا عِلمي، ومِن ثَمَّ ألبستموه ثوبَ السِّريَّة والرَّمْزيَّة الوهميَّة؛ ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس: 66 - 70]، ويقول: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111].
ويقول سبحانه: احْمَدِ اللهَ الذي هو حقيقٌ بالحمْد كله على كلِّ صفاته العُلاَ وأسمائه الحُسْنَى، وعلى خَلْقه وتدبيره الحكيم، فإنَّ ذلك دليلٌ بيِّن واضِح على أنه مستحيلٌ عليه الولد، وانْفِصال شيء عنه؛ لأنَّه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ومِن ثَمَّ فمحالٌ أن يكون له شريكٌ في مُلْكه مِن ذلك الولد الذي توهمْتُموه وتخيلتموه بوحي الشيطان، فجعلتموه شريكًا له في الصِّفات، وشريكًا له في المُلك، وشريكًا له في أنفسكم وقلوبكم وأموالكم، وعبدتموه بأنواعِ العبادة والتقْديس، وذلك أعظمُ تنقيصٍ لربِّ العِزَّة سبحانه، وهو الذي لا يَليق به إلا أن يُكبَّر أعظمَ تكبير، ولا يكون ذلك إلا بأن يجعلَ كل الخلْق في منزلتهم الحقيقيَّة مِن الذُّلِّ والفَقْر والحاجَة المُطلَقة، والتصغير الذاتي أمامَ الربِّ القوي العزيز الواحِد القهَّار.
ويقول سبحانه: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 4 - 5]، ويقول أيضًا: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا * أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ إلى قوله : ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 81 - 95].
فمَن هو هذا الولَد المقصود في هذه الآيات؟ أهو عِيسى والعزيز والملائكة فقط؟ كلاَّ، بل هو الذين اتَّخذوهم؛ ليكونوا لهم عزًّا، وعَجُز الآيات في إحصائهم وعدِّهم والإتيان بهم يومَ القيامة كلَّ فرْد وحْدَه دليلٌ على ذلك.
كذلك يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ إلى قوله: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 16 - 35].
فلَيْسَتْ هذه الولديَّة خاصَّة بالملائِكة، بل هي عامَّة في كلِّ عبدٍ أكْرَمه الله بالنبوَّة أو الرِّسالة، أو الإيمان والاستقامَة على الدِّين الحق، بحيث لم يكن أحدٌ مِن هؤلاء المكرَّمين يسبق شرْع ربِّه، ولا أمره، فلا يقول في الدِّين إلا بما أوْحى الله إليه، سواء في عقيدة أو عبادة، ولا يعمل إلا بأمْرِ الله، وقدْ أخْضع هواه للحقِّ الذي قالَه الله وأمَر به، كما جاء في الحديث: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يكونَ هواه تبعًا لِمَا جئتُ به))[6]؛ ولذلك وصَفَهم بالإشفاق مِن خشْيته سبحانه، كما وصَف المتَّقين بعد آيات: ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 49]، ووصف أنبياءَه في آخِرِ هذه السُّورة بـ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، وفي وصْف الصابرين الشاكرين مِن سورة المعارج: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾ [المعارج: 27].
وقد تكرَّر هذا الوَصْفُ في القرآن كثيرًا للمؤمنين المتَّقين الذين يهتدون بكُتُب الله المنزلَة، مما يدلُّ على أنَّ هذه الولديَّة التي يُنزِّه الله نفسَه عنها ليستْ قاصِرةً على ولدية الملائكة، بل هي تَشمل كلَّ ما اعتقده الوثنيُّون مِن ولديةِ الأنبياء والصالحين بعدَ موتهم وغيرِهم مِنَ البشَر والجِنّ، بما أوْحَى إليهم الشيطان كُفرًا بأولئك الأنبياء وعداوة لهم، ويقول الله سبحانه: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 2 - 3].
وهذه وآيةُ الإسراء السابقة تدلُّ دَلالةً تامَّة على ملازمةِ الشِّرْك بالأولياء والصالحين لعقيدةِ الولدية، لا تَنفكُّ عنْها، وتلازم تنقيصَ ربِّ العزة وتُنافي كبرياءَه وعظمتَه.
ويدلُّ لذلك أيضًا سورة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، جمعتْ كلَّ أنواع التوحيد، فالله الأحَد، المتَوَحِّد في ذاتِه وصِفاته وأسمائه، ومُحالٌ عقلاً وعلمًا عليه الاثنيَّة في أي ناحية مِن النواحي، ثم هو الذي يلزم مِن أحديته هذه أن يكون الصمد الذي يُقصد، ويَصْمُد إليه كلُّ عبد، وكلُّ مَخلوق في جميعِ شؤونه؛ لأنَّه المتوحِّد بخلْقه، والمتوحِّد في تدبيره بعَمله وحِكمته، ورحمته وقدرته وإرادته، فإذا تحقَّق هذا بطَلَتْ عقيدة الولدية التي أوْحاها الشيطان وخيَّلها في مُقدّسيهم وآلهتهم الذين زَعموا أنَّهم مِن جِنْس الله، أو أنَّ فيهم جزءًا انفصَل من الله، هو النور أو الرُّوح الذي فاض عليهم، وكانوا به أوَّلَ الخَلْق على غيرِ سُنَّة الله ووضعه الطبيعي، فإذا بطَلَتْ هذه العقيدةُ الفاسدة، وتلاشَتْ زَهَق الوهمُ الكاذب، والظنُّ الخادِع، الذي سَمَّوه - بوحي الشيطان - سرًّا في هؤلاء المقدَّسين مِن الله، وما هو إلا جزءٌ وولَد، وانكشفتْ حقائِقُه التي كانوا عليها بطبيعتهم التي خلَقَهم الله بها، وجَبَلهم كغيرِهم عليها، وأنَّ العلم مهما بَلَغ والعبادة مهما كانتْ آناءَ الليل وأطراف النهار، وأنَّ الرِّياضة والتنسُّك - لن يكون شيءٌ مِن كل ذلك مُستطيعًا أن يُغيِّر في عالِم أو عابد سُنَّةَ الله في الخلْق البشري أو غيره.
فالأنبياءُ بشرٌ في خلْقهم وأجسامهم، وحياتهم وموتهم، ككلِّ البشَر، ومَن دونهم أوْلَى، فيستحيل عندئذٍ أن يكون لله كفُوٌ أو مثيل أو عدْل، في الصِّفات أو العبادة مِن هؤلاء الأنبياء الذين هم صفوةُ الله مِن خلْقه، وخِيرَته من عباده، فضلاً عمَّن هو دونهم من بني آدم، فضلاً عن الجنِّ والملائكة، والحيوان والشَّجر والحَجر، الذي اتَّخذ الوثنيُّون من كلِّ ذلك عدلاً لله ونِدًّا وكُفُوًا - سبحانه وتعالى عمَّا يتوهَّمون ويظنُّون ويقولون عُلوًّا كبيرًا.
إذا عَرَفْتَ هذا جيدًا، وتدبَّرتَ كل آيات الكتاب الذي لا يأتيه الباطلُ مِن بين يَدَيْه ولا مِن خلْفه في هدْم العقيدة الوثنيَّة، وعرفتَ أنَّ النصارى يُصرِّحون في كتُبهم بأنَّ الله مُنزَّهٌ عن الولادة البشريَّة، وأنَّ ولادة عيسى ليستْ إلا على معنَى أنه: الابن الوحيد المولود مِن أب قبلَ الدهور مِن نور الله، مولود مُنبثِق غير مخلوق، بمعنى أنَّه فائضٌ من الله، ويقولون في كتبهم: إنَّ عبارة الابن لا تُشير - كما فَهِم البعضُ خطأً - إلى الولادةِ البشريَّة، ولكنَّها نِسبةٌ سِريَّة أزليَّة تفوق الإدْراك، وهم يُقرِّرون في صراحة أنَّ عيسى ابن مريم هو ابنٌ بشري ليوسفَ النجَّار في ناسوته، فهو عندهم ليس آيةً في ولادته مِن مريم بدون أب، ولكنَّه مولودٌ ولادةً بشرية عادية مِن أبيه يوسف النجار، وهو مع ذلك في لاهوته أو نُورانيته، وسِرِّيته - ابنٌ منبثِق عن الله في الأزَل قبل الدهور، غير مخلوق.
إذا تقرَّر هذا عَرْفَتَ مُرادَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن نهيه أُمَّتَه وتَحْذيرها أنْ تَغلو في الثناء عليه غلوَّ النصارى في عيسى ابن مريم، وبيانه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الواضِح أنَّه: ((عبدُ الله ورسولُه))[7]، ككلِّ عِباد الله المرسَلين، كما أكَّدَ الله ذلك في ردِّه على الذين كانوا يَستنكِرون عليه ويَعْجبون أنْ يبعثَه الله إليهم رسولاً؛ لأنَّه في نظرهم وفي الواقِع بشَرٌ مثلهم، فأَخَذوا يَقْترحون عليه ما حكَاه الله بقوله: ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً ﴾ [الإسراء: 90 - 93].
فردَّ عليهم مُؤَكِّدًا أنَّه لا يملك شيئًا مِن كُلِّ ذلك؛ لأنَّ سُنن الكون بِيَدِ الله ربِّ الكون، العليم الحكيم، لا بِيَده، وإنَّما هو عبدٌ بشَرٌ لا يملك لنفْسه نفعًا ولا ضرًّا، ميَّزه الله عن البشَرِ أمثالِه بأنْ أرسله، وأوْحَى إليه: ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ [فصلت: 6]، وأنَّ الويلَ كلَّ الويل لأولئك المشركين، الذين لا يُزكُّون أنفسَهم من نجاسةِ هذه الجاهلية التي أوْحَى بها شياطينُ الجن إلى شياطين الإنس مِن سادتهم وشيوخهم ورؤسائهم.
وعرَفْتَ أنَّ إطراء النصارى عيسى إنَّما كان بزيادة صِفاتٍ له لا وجودَ لها، وليس لها حقيقةٌ في واقع الأمْر، وإنَّما هي خيالٌ ووهْم أوْحاه الشيطان، مِن هذه الولادة وانبِثاق النور الأزلي والنِّسبة التي تفوق المدارِك، ولا يَنبغي البحْثُ عنها، حتى كان عيسى في معتقد النصارى - في الواقع - وهمًا وخيالاً لا وجودَ له إلاَّ في أدمغتهم، وأنَّه بلا شكٍّ عندَ التأمُّل والتحقيق ليس هو عيسى ابنَ مريم عبدَ الله ورسولَه، الذي جعَلَه الله وأُمَّه آيةً للعالَمين، وأنَّ عقيدتهم هذه الفاسِدة أبينَ الفساد هي بعينها عقيدةُ الوثنيِّين الذين كفروا مِن قبلهم، نقَلَها إليهم الشيطانُ بكَيْده ومكْره باسمٍ جديد؛ ولدية عيسى، وأنَّه النور الأزلي الذي انبثَق أولاً مِن الله - سبحانه وتعالى!
ثُمَّ عَرَفْتَ أيضًا أنَّ الإطْراء الذي نَهَانا الرَّسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنه، كإطراءِ النَّصارَى عيسى - إنَّما هو اختراعٌ، وابتداعُ صِفاتٍ لم تكُن لرسولِ الله في الواقع؛ لأنَّ الله لم يذكُرْ ولم يُثْنِ عليه بها، ولو كانتْ لأَثْنَى اللهُ عليه بها؛ دفاعًا عنه وإشادةً به، وردًّا على طعن أعدائه واستنكارهم أنْ يبعثَ الله إليهم بشَرًا رسولاً، وأنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنَّما نهى هذا النهيَ؛ لأنَّه علِم مِن وحي الله له بأنَّ أُمَّته ستفعل وتقول وتعتقد فيه عقيدةَ النصارى في عيسى ابن مريم، وأنَّ الشيطان سيأخُذ بها أخْذَ غيرها مِنَ الأُمم الوثنيَّة الكافِرة السابقة، حتى لو دَخَلوا جُحْر ضبٍّ لدخلوه، وأنَّ أخْبَث الأمور وأيْسَرها على الشيطان أنْ يَقودهم بها إلى هذا الطريق: أن يستخرجَهم مِن حَظيرة الإسلام بحبْلٍ دقيق، هو حبلُ الإطراء والغلوِّ في وصْف شخْصه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما هو مخالِف للواقِع الذي خَلَقه الله عليه مِنَ البشريَّة المماثلة لكلِّ البَشَر، فيُوحي إليهم بما أوْحَى إلى الذين كفَروا مِن قبل، بأنَّه أَوَّلُ خَلْق الله، وأنَّه النور الفائِض مِنَ الله، وأنَّه قَبْضةُ النور، وأنَّه سِرُّ الأسرار، وأنَّه نور عرْش الله، وأنَّ اسمه مكتوب على ساقِ العرْش من نور، وأنَّه النور الذي خُلِق منه كلُّ شيء، وأنه الذي انبَثقتْ منه الأنوار، وانفلقَتْ عنه الأسرار، وتنزَّلتْ فيه علوم آدَم فأَعْجز الخلائق، وأنَّه غير ذلك مِن الإفك والبُهتان، الذي أوْحاه الشيطان إلى أوليائه الصوفيَّة، فنَشَروه وزخرفوه للعامَّة والطغام بأنَّه مدحٌ وثناءٌ على الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما هو في الواقِع إلا كفرٌ به، وتكذيبٌ له، وللقرآن الذي جاء به مِن عندَ الله، الذي سجَّل فيه مِن غيرِ خفاء مِرارًا: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [فصلت: 6]، ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]، ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، إلى غير ذلك مِنَ النصوص الواضِحة في القرآن الحكيم، وفي السنَّة المتواتِرة التي لا تحتمل أي تأويل، لِمَن له قلْب يَفْقه، وعَيْن تُبصِر، وأُذُن تسمع، ولكنَّ أكثرَ الناس لا يفْقهون؛ لأنَّهم بدَّلوا نِعمة الله عليهم في أنفسهم وسَمْعِهم وبصرِهم وعقْلِهم كُفرًا، بالتَّقليد الأعْمى الذي انْسلَخُوا به مِن آيات الله كلِّها، فأتْبَعهم الشيطان فكانوا مِنَ الغاوين، إنْ هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً.
فقلَّدوا رؤساءَ الزَّيْغ وحِزْبَ الشيطان الذين يتَّبعون مِن القرآن ما تشابه منه؛ ابتغاءَ الفِتنة وابتغاءَ تأويله؛ ليُحرِّفوه عن موضعه، ويَتَّبعون الواهياتِ مِن الأقوال التي وضعَها شيوخُهم على رسولِ الله، ورواها الذين لا يُميِّزون الصحيحَ مِن السقيم، فكانتِ البلية عظيمةً، وكان الشرُّ المستطير الذي تكاد السماواتُ يتفطرْنَ منه وتنشقُّ الأرْض وتَخِرُّ الجبال هدًّا؛ أنْ دَعَوْا للرحمن ولدًا.
فلمَّا صَدَّق عليهم إبليس ظنَّه فاتَّبعوه في هذه العقيدة الوثنيَّة الكافِرة أشدَّ الكفر وأقبحه وأخبثه، وجَرَّهم إلى أن يعتقدوا هذه العقيدةَ في عليٍّ وفاطمة، وأبناء علي وفاطمة؛ لأنَّهم بَضْعَةٌ مِن رسولِ الله، ثم جرَّهم إلى اعتقادِها في غيرِ أولادِ علي مِن كل صوفي مُشعْوِذ دجَّال مِن أولياء الشيطان، حتى صرَّحوا بأنَّهم قد انْخلعوا عن البشَريَّة، واتَّحدوا بالله، فجاز لهم بِزَعْمِهم الفاجِر أن يقول شيوخُهم: أنا الله، وسُبحاني سُبحاني، ممَّا طفحتْ به كتبُهم عن سادتِهم وكبرائِهم، كأبي يَزيد البسطامي، وإبراهيم الدسوقي، وأبي سعيد الخرَّاز، والحسين الحلاَّج، وابن عربي، وابن الفارض، وغيرهم مِن كل شيوخ أولياء الشيطان - قبَّحهم الله وأخْزاهم في الدنيا والآخِرة.
وإذ صدَّق عليهم إبليسُ ظنَّه في هذه العقيدة الوثنية، فما يمنعه بعدَ ذلك أن يدعوهم أن يتَّخذوهم أندادًا وآلهةً مع الله، يقيمون لهم الهياكلَ والمعابدَ الوثنية، التي ما أرسل الله رُسلَه، ولا أنزل كتبَه ولا بَعث رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلا لهدمِها، وكان مِن هادميها بأمر رسولِ الله عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين بعثَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى اليمنِ، فها هي قائمةٌ في كلِّ بلد مِن بلاد المسلمين يُهتَف فيها بعبادة الشيطان، ويُنادَى باسمه في الليل والنهار، ويُتقرَّب له بكلِّ القربات، ويُدعَى أخلصَ الدعوات؛ و﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 117 - 119].
وأصبح ذلك الشركُ وهذه الوثنيَّة دِينَهم الذين يزْعمونه الإسلامَ الذي جاء به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعادون من أجْله، ويُحاربون بكلِّ ما أوتوا مِن قوَّةٍ اللهَ ورسولَه وأولياءَه الذين عزَّروه ونصروه، واتَّبعوا النور الذي أُنزل معه، وكل ذلك على أساسِ عقيدة الولدية والبُنوة لله سبحانه بأسماءٍ جديدة ما أنْزَل الله بها مِن سلطان.
ودليل ذلك واضحٌ بيِّن في أقوالِهم وأعمالهم، مهما حاول لهم شيطانُهم وجهلهم أن ينكروا أنَّهم يعتقدونها؛ ذلك أنَّهم يقولون: إنَّهم أحياء، وإنَّ معبوديهم يَسْمعون ويَرَوْن من قريبٍ ومِن بعيد، لا يقوم أي حِجاب دون سمْعِهم وبصرِهم، وأنَّهم قادِرون رُحَماء أغنياء، كقُدْرة الله ورَحمته وغناه سواء، فما هي الحياة، وقدْ ماتوا وغسَّلوهم وكفَّنوهم ودَفنوهم تحتَ الثَّرَى كشأنِ كلِّ البشر؟! إنها حياةٌ بزعمهم مِن جنس حياةِ الله الحي الذي لا يموت، ومِن ثَمَّ أعطوهم سمعًا كسمع الله يدعونهم مِن قريب ومِن بعيد، كما يدعو المؤمنُ ربَّه السميع، وبصرًا لا يحجُبه شيء كبصَر الله، ويقولون لهم: نظرة يا أسيادي؛ أي: نظرة عطْف ورحمة وعناية، كما يطلب المؤمنون ذلك من ربِّهم حين يقومون في صلاتِهم فيُسوُّون صفوفَهم، كما أمرَه رسولُ الله، ويُوفون بما عاهَدوا الله، ولا يشترون بأَيْمانِهم ثمنًا قليلاً؛ ليحظوا بنظرِ الرحمة والعطف والعِناية مِن الله، كما وعدَهم اللهُ ورسولُه.
ووصفوهم بالقوَّة والمعية، فيطلبون منهم المددَ، وأن يكونوا معهم بالحِفْظ والحياطة، كما يطلب المؤمنُ ذلك من الله القوي العزيز الذي رحمتُه قريبٌ من المحسنين، وهو مع الذين اتَّقوا والذين هم محسنون، ويَسألونهم كلَّ شيء حِسِّي ومعنوي، وما ذلك إلا لاعتقادِهم غِناهم المطلَق، وقدرتهم على العطاءِ كغِنَى الله وقُدرته سواء، ويَطوفون حولَ رُجومهم وأنصابهم، ويُعظِّمون شعائرَهم، ويُقدِّسون آثارَهم وأعيادَهم، كما يطوف المؤمِنُ ببيتِ الله الحرام، ويُعظِّم شعائره، ويحتفل بعيدَي الفِطر والأضْحى، ويَخافونهم كخِيفةِ الله، بل أشدَّ؛ لأنَّهم يحرِصون على نذورهم، وأعيادِهم وعبادتِهم أشدَّ مِن حرْصهم على أداءِ حقوقِ الله.
ويُعلِّلون ذلك بأنَّهم إنْ لم يَفْعلوا يُعجِّلوا الانتِقام منهم والتصرُّف فيهم بأنواعِ العقوبة، ويقولون: لهم ما يشاؤون؛ أي: لهم مُطلَق التصرُّف في ملْك الله بالعزْل والتولية والقبْض والبسْط والخفْض والرَّفْع والقَهْر والتحكُّم في الله، كما صرَّح بذلك الشعراني وغيره مِن هؤلاء الصوفيَّة الوثنيِّين، ويقولون: فيهم شيء لله، وحقيقتها التي يُوضِّحها ويُصحِّحها عملُهم: فيهم شيء مِن الله؛ إذ ترَى في كتبهم وتَسْمع على ألسنتهم: إنَّهم مِن نور الله، وفاض عليهم نورُ الله، وهي بعينها كلمةُ النصارى: عيسى النُّور الأزلي المنبثِق من الله، ولكنَّها في ثوبٍ جديد لتروجَ على الغافلين الذين كذَّبوا بآيات الله، واتَّخذوها وراءَهم ظِهريًّا، وألْقوا بقلوبِهم وأسماعِهم وأبصارِهم إلى الشيطان مولاهم، فصدَّق عليهم ظنَّه فاتَّبعوه، وليس أدل على ذلك مما ورد في قوْل الله: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 3 - 4]، على عقيدةِ الوَلَديَّة عندَ هؤلاء المشرِكين.
ألاَ يدلُّ كلُّ ذلك مع تدبُّر آيات الله وفِقهها على حقيقتِها دَلالةً واضحةً لا خفاءَ فيها على أنَّ الشيطان قد كاد للناس اليومَ كيدَه للوثنيِّين، فأوْحَى إليهم عقيدةَ البنوة والوالدية لله بأسماء جديدة، كشأنِه في كلِّ ما يُوَسْوِس به ويَكيد لعدوِّه الإنسان، وأنَّه رَكِب الصوفية إلى غَرَضه هذا كما رَكِبَها في وثنيِّ الهند والفُرْس واليونان سواء بسواء.
والباحِث المتحرِّي الحقائق يَلْمَس ذلك واضحًا مِن تاريخ حدوث الصوفيَّة ودخولها بلادَ المسلمين، ويَضَع يدَه على سِلْسلةِ الوثنيَّة، فيجد طرَفَها الأول مع طرَف الصُّوفيَّة، ثم يمشيانِ مُتلازمَيْن إلى اليوم، وإنْ كان أكثرُ الناس - إنْ لَم أقُلْ كُلهم - غافِلاً عن ذلك أشدَّ الغفلة؛ بسبب عمَى البصيرة بغشاوةِ التقليد الذي هو مِفتاحُ كلِّ شرٍّ.
وإذ تبيَّن ذلك واتَّضح، فقد تبيَّن وعُرِف الداء الوبيل، والمرض القتَّال، الذي نَخَر في نفوس المسلمين، وهَدَّ كيانَهم، حتى صاروا إلى هذه الذلَّة والصَّغار، والمسكنة والتفرُّق والخزي.
فلْيُبادرْ مريدو الإصلاح ومحبُّوه إلى العملِ على إنْقاذ المرْضَى بعلاج الإسلام الصحيح، ومُداواتهم الدواءَ الشافي مِن كتاب الله، وهَدْي رسولِ الله، فلا علاجَ ولا شفاءَ إلا بذلك، وكل مُحاولة للإصلاح أو العلاج على غيْر هذا الأساس فإنَّها تكون على جهْل بأصْل الداء والعِلَّة، إنها إذًا تكون مُضحِكة للشيطان، بل إنَّها والله مكايدُه وتعميته ووساوسه، والله يَهدي مَنْ يشاء إلى صِراطه المستقيم، ولن يكونَ هذا الصراطُ إلا على كِتاب الله وسُنَّة رسوله، كما أخبرَنا الناصِحُ الصادِقُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ قال: ((تَرَكْتُ فيكم شيئَيْن لنْ تضلُّوا بعدهما - ما إن تمسَّكْتُم بهما لن تضلُّوا -: كتاب الله وسُنَّتي))[8].
وسبحانَ ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفون، وسلام على المرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالَمين[9].
[1] أخرَجه البخاري برقم (392)، ومسلم برقم (572).
[2] أخرجه البخاري برقم (6566)، ومسلم برقم (1713).
[3] صحيح: السلسلة الصحيحة برقم (1348)، ومستدرك الحاكم برقم (8404)، وأصله أخرجه البخاري برقم (6889)، ومسلم برقم (2669).
[4] مجلة الهدي النبوي، رمضان (1365) العدد التاسع.
[5] صحيح: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، برقم (164)، وصحَّحه الأرناوؤط وابن حبَّان في صحيحه، برقم (413)، وصحَّحه الأرناؤوط.
[6] ضعيف: مشكاة المصابيح برقم (167)، ويُغني عنه الحديثُ الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده برقم (13174) عن أنس بن مالك عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يكونَ اللهُ ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وحتى يقذف في النار أحب إليه مِن أن يعودَ في الكفر بعدَ أن نجَّاه الله منه، ولا يؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحب إليه مِن ولده ووالده والناس أجمعين))، وقال شعيب الأرنؤوط : إسنادُه صحيح على شرْط الشيخين.
[7] أخرَجه البخاريُّ برقم (3252) مِن حديث عبادة - رضي الله عنه -: عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن شَهِد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبدُ الله ورسولُه، وكلمته ألْقاها إلى مريمَ ورُوح منه، والجَنَّة حقٌّ والنار حقٌّ، أدْخَلَه الله الجنةَ على ما كان مِنَ العمل)).
[8] صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (319)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم (2937).
[9]مجلة الهدي النبوي: شوال (1365) العدد العاشر.