إن مما يعكر صفو السعادة الزوجية أن يشعر الرجل بعجزه عن القوامة علي المرأة والإنفاق عليها وعدم استطاعته تلبية مطالبها وهو الذي يعمل ويشقي يومه كله سعياً للرزق الحلال , وكذلك أن مما يثقل علي قلب الزوجة كثرة الضغوط عليها داخل منزلها فهي مطالبة بطهي الطعام ونظافة البيت وغسل الملابس وكيها وتربية الأولاد وتوجيهم ورعايتهم داخل البيت وربما خارجه هذا فضلا عن تلبية رغبات الزوج الشرعية وعدم إهمال حقوقه وشراء ما يلزمهم جميعا !!
فمن الذي يطيق كل هذا ؟
وأننا عندما نتوجه بهذه النصيحة للمتزوجين لا نخص بها الزوج وحده لأنه المسئول عن السعي والإنفاق ..كلا ..
وإنما نخص بها الزوجة أيضاً لأن كلاهما يتحمل بصبر ورضا وإحساس بالمسئولية ما لا طاقة له به .
وأن كان هذا فيما هو لاغني عنه من الاحتياجات الأساسية لاستقرار الحياة الزوجية وسعادة الأبناء واستغنائهم عن الناس , فأن من الجور وعدم تقدير الأمور أن يحمل كل من الزوجين الطرف الأخر مطالب أضافية تفوق قدراته وتثقل كاهله وتحطم معنوياته وتذبذب ثقته في نفسه وتصيبه بالأمراض النفسية والعصبية .
ومن ثم لابد لكل من الزوجين عدم حمل الطرف الآخر ما يزيد من ضيقه وتبرمه , فلا تطلب الزوجة من زوجها مطالب يعجز الزوج لضعف حالته المالية أن يحققها لها لأنه أن فعل فسوف يستدين وهذا يؤدي قطعاً إلي زيادة الديون وعجز دائم في ميزانية البيت وهم وغم لا ينقطعان ومن ثم ينبغي عدم إرهاقه بما يفوق قدراته المالية والاكتفاء بالضرورات الملحة الي حين ميسرة لأن كل ما يرهق الزوج يرهق الزوجة أيضاً تبعاً لذلك.
ولتتذكر قول الله تعالي : (إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) )-الزمر
-وقول النبي e " سعادة لابن آدم ثلاث وشقاوة لابن آدم ثلاث فمن سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة والمركب الصالح والمسكن الواسع وشقوة لابن آدم ثلاث المسكن السوء والمرأة السوء والمركب السوء . "([1]) ولتقدي بصحابيات النبي e فقد كانت الواحدة إذا أراد زوجها الخروج من البيت تقول له : إياك والحرام فإنا نصبر علي الجوع ولا نصبر علي النار... فكوني زوجة صالحة تعين زوجها علي الدهر ولا تعين الدهر عليه .
والزوجة الصالحة الذكية حقاً تستطيع برجاحة عقلها وسمو روحها وبالقناعة واستغلال المتاح أن تجعل من بيتها وأسرتها الصغيرة جنة ترفرف السعادة علي أفرادها جميعاً.
والزوج أيضا مطالب بمشاركة الزوجة ببعض أعبائها الكثيرة سواء في البيت أو خارجه كلما تيسر له ذلك للتخفيف عنها وهذا منه ذكاء وفطنة من جهتين :
الأولي: رفع معنويات الزوجة لإدراكها أن زوجها يقدر تعبها وتضحياتها بمساعدته لها في بعض شئون البيت ولو كانت يسيرة, فيعينها ذلك علي المضي قدماً بلا كلل أو شكوى في مهمتها كربة بيت تعمل علي تثبيت دعائم بيتها لحياة مستقرة سعيدة .
والثانية: كسب احترام الزوجة له وثقتها فيه وزيادة تعلقها به وبالتالي عدم إهمال حقوقه لحرصها علي إرضاءه وسعادته كما أسعدها , وهذا بلا ريب يزيد من ترابط العلاقة بينهما علي أسس متينة من التفاني والإخلاص , وإنكار الذات ..الخ
و للزوج في ذلك النبي e أسوة حسنة فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج"([2]) وقال الألباني في- آداب الزفاف "ص/218"- ما نصه:
"هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين .اهـ
ومن ثم ينبغي علي كل من الزوجين عدم تحميل الطرف الآخر مالا يطيق ولهما معا هذه الآية الكريمة :
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) -الطلاق
[1] - أنظر صحيح الجامع ح/3629 [2] - أخرجه البخاري في النفقات ح/5363