أربعون وسيلة
لإستغلال شهر رمضان
لفضيلة الشيخ الدكتور / إبراهيم بن عبدالله الدويش
مقدمةإن
الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أله
وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . . أما بعد :-
فقد يتسأل البعض عن
سر العدد أربعين ضمن هذه السلسلة (1) فأقول : إنه تيمناً بنوع من أنواع المصنفات
الحديثية وهى الأربعينات ، وهذه عبارة عن أجزاء صغيرة يحوى كل منها أربعين حديثاً
فى موضوع معين ، أو عام ، يخرجها المؤلف بأسانيده أو يؤلفها مجردة عن السند ، إلى
الصحابى الذى روى الحديث : وقد استأنسوا رحمة الله تعالى عليهم فى هذا النوع من
التأليف بحديث عن النبى صلى الله عليه
وآله وسلم حيث يقول النووى فى مقدمة
الأربعين النووية : أما بعد فقد روينا عن على بن أبى طالب و عبدالله بن مسعود
ومعاذ بن جبل وأبى الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبى هريرة وأبى سعيد
الخدرى رضى الله عنهم من طرق كثيرة ومن روايات متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " من حفظ على أمتى أربعين حديثاً من أمر دينها
بعثه الله يوم القيامة فى زمرة الفقهاء والعلماء"
وفى رواية: " بعثه الله فقيهاً عالماً"
وفى رواية أبى الدرداء : " وكنت له يوم القيامة
شافعاً وشهيداً " وفى رواية ابن مسعود " قيل
أدخل من أى أبواب الجنة شئت " وفى رواية
ابن عمر " كُتب فى زمرة العلماء وحُشر فى زمرة الشهداء"
. وقد إتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف ؛ وإن كثرت طرقه ؛ وقد صنَّف العلماء – رضى
الله عنهم – فى هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات فأول من (علمته) صنف فيه عبدالله
بن المبارك ، ثم محمد بن أسلم الطوسى
العالم الربانى ، ثم الحسن بن سفيان النسائى ، وأبو بكر الآجرى ، وأبو بكر محمد بن
إبراهيم الأصفهانى ، والدارقطنى ، والحاكم ، وأبو نعيم ، وأبو عبد الرحمن السلمى ،
وأبو سعيد المالينى ، وأبو عثمان الصابونى ، وعبدالله بن محمد الأنصارى ، وأبو بكر
البيهقى ، وخلائق لا يُحصون من المتقدمين والمتأخرين وقد إستخرت الله تعالى فى جمع
أربعين حديثاً إقتداءً بهؤلاء الأئمة الأعلام حُفاظ الإسلام ، وقد إتفق العلماء
على جواز العمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال (2) .
ومع هذا فليس إعتمادى
على هذا الحديث بل على قوله صلى الله
عليه وسلم فى الأحاديث الصحيحة :" ليبلغ
الشاهد منكم الغائب " (3)
وقوله صلى الله عليه وسلم :" نضر الله امرءاً سمع
مقالتى فوعاها وأداها كما سمعها " (4) ثم من
العلماء من جمع أربعين فى أصول الدين وبعضهم فى الفروع ، وبعضهم فى الجهاد ،
وبعضهم فى الزهد ، وبعضهم فى الآداب ، وبعضهم فى الخطب وكلها مقاصد صالحة – رضى
الله عن قاصديها – وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله مشتملة على كل ذلك ، وكل
حديث منها مشتمل على قاعدة عظيمة من قواعد الدين . . إلخ ) (5).
وأنا
لى بهم أسوة فى ذلك ، وإن لم أذكر الأحاديث فى هذه الأربعينات من الوسائل
والتوجيهات فقد تعمدت ذلك لأسباب :
أولاً :
لو ذكرت الأحاديث والآيات لطال الكتاب .
ثانياً :
إن الهدف هنا هو التوجيه والتذكير وليس العزو والتأصيل .
ثالثاً :
إن الأحاديث والآيات فى شأن الدعوة مشهورة مستفيضة .
وأعلم أيها المحب أن
هذه الوسائل والتوجيهات إنما هى إجتهاد بشر عرضة للخطأ والنقص ، أسأل الله العفو
والصفح ، ومنه التوفيق والسداد، والعون والرشاد ، وبه أستعين،وهو نعم المعين وتذكر
أيها القارئ قبل أن تبدأ :
عين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تُبدى
المساويافهذه
الوسائل والأفكار التى بين يديك هى بعنوان {
أربعون وسيلة لإستغلال شهر رمضان } (6) ولعل القارئ لا
ينتهى من قراءتها إلا وقد زاد فيها إلى الخمسين أو فوق ذلك .
وهذه الوسائل هى
عبارة عن جمع عدد من التوجيهات والأفكار والمقترحات لإستغلال شهر رمضان ولابد لهذه
الوسائل من شرطين حتى تكون صحيحة :
أولاً
: أن تكون الوسيلة مشروعة أى مباحة.
ثانيا:
أن تؤدى هذه الوسيلة الغرض المطلوب والمقصود
منها.
أما أسباب إختيار هذا الموضوع فمنها :
أولاً
: كيف نستغل رمضان وماذا نفعل فى رمضان ؟
سؤال نسمعه كثيراً من
الحريصين والحريصات ومن بعض أئمة المساجد ووجود هذا السؤال من المبشرات فتبق
الإجابة ومن أجلها جمعنا هذه الوسائل .
ثانياً
: تضييع البعض ليالى رمضان فى اللهو والسهر ،
ونهاره فى النوم والكسل ، فذكرُ هذه الوسائل وحصرها توجيهات لمثل هؤلاء ، وتشجيع
لهم لإستغلال رمضان .
ثالثاً
: ترشيد للصحوة المباركة وتوجيه لطاقاتها للعمل
والعبادة والدعوة إلى الله من خلال هذه الأفكار والوسائل .
رابعاً
: يمر على الإنسان رمضان تلو رمضان ، وهكذا تمر
الرمضانات بدون رصد للأعمال والمواضيع والمشاريع وبدون تدارك للأخطاء والتقصير مما
يجعلنا فى كل رمضان يأتى نبدأ من جديد ولا شك أن هذا مضيعة للأوقات ، والأعمار
فكان هذا الرصد لهذه الوسائل .
خامساً
: لو لم يكن فى شهر الصوم إلا أنه أحد أركان
الإسلام التى لا يتم إسلام المرء إلا بها ، ثم أيضاً إنه العمل – أى الصيام – الذى
إختصه الله سبحانه وتعالى لنفسه من بين عمل ابن آدم كله (7) ، ثم أيضاً فيه ليلة
هى أفضل من ألف شهر وأنه الشهر الذى إختصه الله بنزول القرآن وأنه شهر المغفرة
ومحو الذنوب والسيئات فلو لم يكن فى هذا الشهر إلا هذه الأمور لكفاه شرفاً ومنزلة
ولكفانا حرصاً وإصراراً على إستغلال أيامه وساعاته وكل لحظة من لحظاته وهذا
الإستغلال منطلق من سنته صلى الله عليه
وسلم وأله وصحبه وسلم .
قال
ابن القيم رحمه الله تعالى فى ذاد المعاد : " فصل : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان : الإكثار من أنواع العبادات ،
فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن فى رمضان ، وكان إذا لقيه جبريل
أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان أجود الناس ، وأجود ما يكون فى رمضان ، يكثر
فيه الصدقة، والإحسان ، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر ، والإعتكاف . وكان يخص
رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور ، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً
ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة (8) . . . ألخ " .
هذه الأسباب الخمسة وغيرها كثير ،
جعلنى أختار مثل هذا الموضوع .
وقد قسمت هذه الوسائل
إلى أقسام منها ما هو توجيهات وأفكار للجادين خاصة ، ومنها توجيهات وأفكار
للإهتمام بالقرآن ، ومنها ما هو توجيهات وأفكار للمرأة ، ومنها وسائل وأفكار
للصغار .
وأذكر بعض التنبيهات قبل أن أبدأ بعرض
هذه الوسائل :
أولاً
: سيكون العرض مختصراً عند طرح الأفكار والتوجيهات
بقدر الأمكان ، فأكتفى فى بعض الأحيان بذكر المضمون فقط لوضوح الفكرة وترك الإطالة
.
فلعل القراء بارك
الله فيهم يعذورنا فى سرد هذه الأفكار والتوجيهات بهذا الإختصار فالقصد منها
المعرفة والبيان أما التفصيل فلا شك أن كل فكرة وتوجيه يحتاج إلى كتاب مستقل وإنما
أردنا التنبيه والإشارة .
ثانياً
: من هذه التوجيهات والأفكار ما هو مكرر ومعلوم
ومشهور لكن ذكرها من باب التذكير والإرشاد ولتكامل الموضوع ثم للتأكيد عليها فى هذا
الشهر المبارك الذى تضاعف فيه الحسنات .
ثالثاً
: هذه الوسائل وهذه الأفكار هى للنشر ويجوز فيها
الزيادة والنقصان فعلى كل داع للخير أن ينشرها ويذكر بها والدال على الخير كفاعله
.
الوسيلة الأولىتوجيهات وأفكار عامة
أى للناس عامة
أولاً : هلى تحب أن تصوم رمضان مرتين ؟
كيف ؟
الإجابة تكون فى حديث زيد بن خالد الجهنى
رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم : " من
فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً
"(9) .
وهناك صور متعددة يمكنك من خلالها الحصول
على هذا الأجر العظيم من تفطير الصائمين .
من هذه الصور
تفطير الصائمين فى الخارج . فهل تصدق يا
أخى الحبيب أن عشر ريالات تفطر صائماً فى اليوم الواحد !
إذن ففى الشهر كم ؟ ثلاثمائة ريال . فإذا
أردت أن تحصل على أجر صيام رمضان مرتين فعليك أن تدفع ثلاثمائة ريال وتنال أجر
تفطير صائم شهراً كاملاً إن شاء الله تعالى .
ثم صورة أخرى :
تفطير الجاليات المسلمة الموجودة فى
البلد من خلال مساجد الأحياء .
وهذه مشهورة فى كثير من مساجد وأحياء هذه
البلاد – بفضل الله عز وجل – ولكن تحتاج أيضاً التخطيط والتنظيم فلو رافق هذا
التخطيط والتوجيه والإرشاد وعقد الدروس قبل الإفطار على الأقل بساعة لكان هذا
شيئاً جيداً ، وخاصة فى هذا الوقت الذى تكون القلوب فيه منشرحة والأذان صاغية
لسماع ما يلقى عليها ولو قامت وزارة الشئون الإسلامية ممثلة بمكاتب دعوة الجاليات
مشكورة بتبنى هذه الفكرة عموماً بتخطيط وتنظيم ، وجدول يشرف عليه المكتب فى جميع
أنحاء المدينة ، وأيضاً يشرف على الدروس وتوفير المدرسين باللغات المختلفة أو
الترجمة ويصاحب هذا توزيع الأشرطة والرسائل والكتيبات التى تناسب لغة أولئك القوم
، ولا شك أن هذا متوفر فى هذا الزمن ولله الحمد بجميع اللغات .
وهناك أيضاً صورة ثالثة وهى :-
تفطير الأقارب والجيران ، وفى هذا كما
ذكرنا صيام فى رمضان مرتين ، وفيه صلة رحم وبر وحسن جوار .
الوسيلة
الثانيةحث المحسنين وأهل الخير على الإنفاقفى هذا الشهر
الذى تضاعف فيه الحسنات
فالقلوب مهيئة لجميع إعمال الخير ، وفى
رمضان تكثر المناسبات خاصة فى الإفطار لكثير من الأسر .
وهذه المناسبات تجمع أعداداً كبيرة من
الرجال والنساء فلم لا يستغل هذا الجمع ؟ كيف ؟
يستغل بالتذكير بفضل الصدقة وأحوال
إخواننا المحتاجين فى كل مكان ، فتجمع الصدقات بالتنسيق مع الهيئات والمؤسسات
الخيرية من خلال صناديق صغيرة توضع عند الرجال وعند النساء . ولا شك أن هذا باب
عظيم من أبواب الخير .
وقد جربه أحد الشباب ونجح نجاحاً باهراً
مع أسرته نسأل الله جل وعلا أن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء .
فلعلنا نحرص على هذا الأمر فإن حال
المسلمين اليوم فى كل مكان وفى كل صقع من أصقاع المعمورة حالة يرثى لها ، وإن كانت
هناك مبشرات ولله الحمد والمنة ؟، ولكننا أيضاً نريد أن نشعر بالجسد الواحد وأن
نقف مع المسلمين وقفة صادقة لنكون كما أخبر النبى
صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه
وآله وسلم بذلك المثل " مثل
المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى
له سائر الجسد بالسهر والحمى " (10) .
ولا بأس أن يكتب على هذه الصناديق : إما
للفقراء والمساكين فى الداخل أو يكتب عليها أيضاً للمسلمين فى الخارج أو ما شابه
ذلك حتى يتجه المتصدق إليها بنية محددة .