الجدال
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي الأمين وبعد
الجدال آفة هذا العصر كل واحد منا يرى في نفسه الصواب والحكمة في الراي , وغيره لا يفقه شيئاً وغير عليم ببواطن الأمور , وأسوأ أنواع الجدال.. الجدال في دين الله تعالى .. لقد تجاهل العباد أمر الله تعالى بسؤال أهل العلم والذكر فهم أعلم الأمة بدين الله وقادرين على استنباط الحقيقة في الأمور المستحدثة ويفتنون بما يوافق تعاليم الكتاب والسنة .
قال تعالى : } فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون { ( النحل 43 ) وقال تعالى : } وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا { ( آل عمران7 )
نعم لقد خص الله تعالى العلماء والفقهاء في توضيح ما استشكل من العبادات
وهذه كارثة .. يعتقد البعض منهم أنه ما دام قد سمع شريط أو شريطين أو قـرأ لـه
كتاب أو كتابين أنه صار أهلاً للمشورة والرأي وإليك ما روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى من التابعين رحمه الله لتدرك خطورة ما نقول .
– قال أدركت في هذا المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مائة وعشرين صحابياً ما أحد يسأل عن حديث أو فتوى إلا ود أن أخاه كفاه ذلك ثم قد آل الأمر إلى أقوام يدعون العلم اليوم يقدمون على الجواب في مسائل لو عرضت لعمر بن الخطاب لجمع أهل بدر واستشارهم .
- وروي عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه سئل عن ثمانية وأربعون مسألة قال في اثنين وثلاثين لا أدري ! . وأنا لا أدري هؤلاء ويفتون في مسائل يحتار فيها جهابذة العلماء والفقهاء ؟ .. ماذا أقول ؟ هل هي الشطارة والفهلوة ؟
.. لا أدري ؟ ربما !!! وإنا لله وإنا إليه راجعون .
ألم أقل لك إنها كارثة .. بل هي مصيبة عظمى أوقعنا فيها الشيطان وحب النفس واتباع الهوى . لقد أصبح الكثير منا يجادل بلا علم أو فقه وصار الأخ يأكل لحم أخيه ويسخر منه انتصاراً لرأيه السديد في اعتقاده , وتفكيره السقيم هذا أدى به إلى ما هو أسوأ من الجدال وهو المراء , ومعنى المراء : الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه .. وذلك إما في اللفظ أو المعنى أو في قصد المتكلم وهذا مرفوض اللهم إلا إذا كان للانتصار للدين ورد الأمر إلى الله ورسوله صلى اله عليه وسلم بعيداً عن الشطحات الفكرية والآراء العنترية من أناس يجادلون في دين الله بغير علم ويضلون غيرهم من العباد ويكون ذلك من باب النصيحة وبشروطها التي ذكرناها سلفاً .
- روي أن يهودياً قال لعلي ين أبي طالب رضى الله عنه : ما لكم تلبثوا بعد نبيكم إلا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم ؟
فقال علي رداً شديداً : ولم أنتم لم تخف أقدامكم من البلل حتى قلتم : } يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة { ( الأعراف 138 ).
فعليك أخي القارئ بترك الجدال والمراء إلا في رد حق أو نصر دين . وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :-
( "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً , وإن أبغضكم إلي , وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون " قالوا : يا رسول الله قد علمنا : الثرثارون و المتشدقون فما المتفيقهون ؟ قال : "المتكبرون" )
1 والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه والثرثار كثير الكلام . والمتفيهق : هو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويظهر الفضيلة على غيره .
وما أصدق ما قال الشاعر :-
العلم زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً
ما إن ندمت على سكوتي مرة فلقد ندمت على الكلام مراراً
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
1 – اخرجه الترمذى فى البر والصلة (2018 ) واسناده حسن