الوصايا الذهبية الخمسة للنساء
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرورِ أنفُسنا وسيِّئاتِ أعمالنا، مَن يَهدِه الله فهو المهتدِي، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه بعض مِن الوصايا الذهبيَّة لنِساء الأمَّة، أحثهنَّ على العمل بها؛ فإنها تجمع لكلِّ امرأة مؤمِنة بالله تَعالى خيرَ الدنيا والآخِرة، والله المستعان:
الوصية الأولى: حذارِ من التشبُّه بالرجال:
- عن ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "لعَنَ رَسولُ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المُتَشَبِّهِينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساء، والمتشبِّهاتِ مِن النساء بالرِّجال"؛ أخرجه البخاري في اللباس (5885)، والترمذي في الأدب.
- قال الحافظ في "الفتح":
قال الطبريُّ: المعنى: لا يَجوز للرِّجال التشبهُ بالنِّساء في اللباس والزِّينة التي تختصُّ بالنِّساء ولا العَكْس.
قلتُ: وكذا في الكلام والمشي، فأمَّا هيئةُ اللباس فتختلِف باختلافِ عادة كلِّ بلد، فرُبَّ قوم لا يفترق زِيُّ نسائهم من رِجالهم في اللبس، لكن يمتاز النِّساء بالاحتجاب والاستتار، وأمَّا ذمُّ التشبُّه بالكلام والمشي فمختصٌّ بمن تعمَّد ذلك، وأما مَن كان ذلك مِن أصلِ خلقته، فإنَّما يُؤمَر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعلْ وتمادى دخلَه الذم، ولا سيَّما إنْ بدا منه ما يدلُّ على الرِّضا به، وأخْذ هذا واضح من لفظ المتشبهين". اهـ.
وقال ابن القيم:
والمرأة المتشبِّهة بالرِّجال تكتسب مِن أخلاقهم حتى يصيرَ فيها مِن التبرُّج والبروز ومشابهة الرِّجال ما قد يُفضي ببعضهنَّ إلى أن تُظهرَ بدنها كما يُظهِره الرجلُ، وتطلب أن تعلوَ على الرِّجال كما يعلو الرِّجال على النِّساء، وتَفعَل مِن الأفعال ما يُنافي الحياءَ والخفر المشروع للنِّساء، وهذا القَدْرُ قد يحصل بمجرد المشابهة. اهـ.
- ولعلَّ مِن السلوكيَّات الخاطِئة والمحرَّمة المنتشرة بيْن النساء في عصرِنا هذا هو التشبُّه بالرِّجال في الملبس، وبصفةٍ خاصَّة في ارتدائهنَّ للبنطلونات، وسواء كانتْ ضيِّقة مجسِّمة للعورة أو واسعة، فهي عليهنَّ حرام، ومَن تَرتديه تدخل تحتَ الحديث الصحيح: ((صِنفان مِن أهل النار لم أُرَهما: قومٌ معهم سِياط كأذنابِ البَقر يَضرِبون بها النَّاس، ونِساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلات مميلات، رُؤوسهنَّ كأسنمةِ البُخت المائِلة لا يدخُلنَ الجنة ولا يَجِدْنَ رِيحها، وإنَّ ريحها ليوجَدُ مِن مسيرة كذا وكذا))؛ أخرجه مسلمٌ في اللباس والزينة (2128).
فنَصيحتي للنِّساء المؤمنات أن يتَّقين الله - عزَّ وجلَّ - وأن يَحرِصْنَ على الزِّي الإسلامي الساتِر.
الوصية الثانية: الحجاب قبل الممات:
معشر النساء، الحِجاب، وما أدراكنَّ ما الحجاب؟!
إنَّه تاجٌ على رُؤوسكن، إنَّه دليلُ الطهارة والعفاف والحياء، إنَّه طاعةٌ للخالق الوهَّاب.
وآية الحِجاب نزلتْ سنة ثلاث، وقيل: خمس، حين بنَى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بزينب بنت جحش - رضي الله عنها - كما في ترجمتها مِن "الإصابة"، وكذلك في قِصَّة زواجها في "البداية والنهاية" لابن كثير (4/ 155).
وقدْ فرَض الله فيها الحجابَ على نِساء المؤمنين، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].
وفي "تفسير السعدي" عندَ شرْحه لهذه الآية قال ما نصُّه (6/122):
هذه الآية هي التي تُسمَّى آية الحجاب، فأمَر الله نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يأمُرَ النساء عمومًا ويبدأ بزوجاتِه وبناتِه؛ لأنهنَّ أكثرُ مِن غيرهنَّ، ولأنَّ الأمر لغيره يَنبغي أن يبدأ بأهله قبلَ غيرهم، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
ومِن هذه الأدلَّة القرآنية فقط يتبيَّن أنَّ الحجاب فرضٌ لا عادة ولا حرية شخصيَّة يخضع لهوى النساء، مَن شاءتْ أن تلبسَه فعلَتْ، ومَن لم تشَأْ لم تفعلْ، وليس بلازم لها!
كلا! فالتي لا تلبسُه مِن النساء امرأة عاصية إنْ كان ترُكها إياه عن إقرار بفرضيته، أمَّا لو كان اعتقادها أنَّه حرية شخصية مع إنكار فرضيتِه فهذه حُكمها هي ومَن هنَّ على شاكلتها مِن النساء والرِّجال معروف، ولا حاجةَ لبيانه هنا؛ لأنه نفْيٌ لثوابت معلومةٍ بالدِّين بالضرورة.
هذا مِن جهة الحجاب نفْسِه، أمَّا من جهة شروطه الشرعيَّة، وهي ما يَعنينا لبيانِ خطأ النساء في جعْله على الموضة السارية، وليس على شروطه الشرعيَّة، وكان مِن عواقب جهْل بعض النساء وهنَّ كثيرات أن ظنَّتْ كلُّ من تغطي رأسها أنَّها محجَّبة حتى لو وضعتْ على وجهها المساحيقَ والأصباغ!
وأعجب مِن ذلك أن نَرى امرأةً ترتدي طرحةً تغطي شعرَها وفي الجزء الأسفل منها تَرتدي بنطلونًا يُجسِّم تقاطيع جسدِها أو (جِيبة) قصيرة تكشِف ما يجب عليها سترُه، ولا يمنع ذلك البتة مِن كونها محجَّبةً مطيعةً لله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم!!
وتبعًا لهذا الفَهم الخاطِئ عنِ الحجاب والجهْل بشروطه الشرعيَّة عندَ النساء استغلَّه أهلُ الموضة والأزياء الذين لا رادعَ لهم مِن دِين أو قانون، وابتكروا أزياءَ للمحجَّبات لكلِّ المناسبات وعلى أحدثِ خطوط الموضة، وأغلبه لافتٌ للنظر وزِينة في نفسه، ولا يَنطبِق عليه شروطُ الحجاب الشرعي، لا مِن قريب ولا مِن بعيد.
وأقول لأخواتي مِن النِّساء:
ليس للحجاب كتالوج باللون أو الشَّكْل أو المقاس، وإنَّما هي شروط شرعيَّة يجِب أن تتوفَّر فيه، فإنْ خالف الحجاب شرطًا مِن هذه الشروط فلا يكون عندئذٍ حجابًا، وها هي الشروطُ حتى لا تكون شمَّاعةُ الجهْل حُجَّةً للنساء للاستمرار في ارتدائهنَّ أحجبةً (مودرن)، والله المستعان:
1- استِيعاب جميع البَدن إلاَّ ما استُثْني.
2- ألاَّ يكونَ زِينةً في نفسه.
3- أن يكونَ صفيقًا لا يشفُّ.
4- أن يكون فضفاضًا غيرَ ضيِّق.
5- ألاَّ يكون مُبخَّرًا مطيبًا.
6- ألاَّ يُشبِه لباسَ الرجل.
7- ألاَّ يُشبه لباس الكافرات.
8- ألاَّ يكونَ لباسَ شُهرة.
الوصية الثالثة: حذار مِن الاختلاط الفاحش بالرِّجال:
الاختلاطُ الفاحِش بين الجِنسيين أصبح في عصْرِنا الحالي يُنبئ بانحطاطِ الأخلاق، وانهدام القِيَم والمبادئ وضَياع للشَّرَف والكرامة، وللأسَف الشديد يُشجِّع الاختلاطَ، ويحثُّ عليه كثير ممَّن لا يتَّقون ربَّهم من أدعياء التقدُّم والتمدُّن، يُريدون بذلك أن تَشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا، والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].
هذا، وقد تفشَّى وعمَّ الاختلاط بيْن الجِنسين في جميعِ مجالات الحياة مِن مدارسَ وجامعاتٍ، ومؤسسات ومصانع، والعجبُ كلُّ العجب أنَّ المرأة المسلمة تَركتْ تعاليم دِينها إلى ما حرَّم الله من ابتذال وعُري، وسُفور واختلاط فاحش، كما تفعل المرأةُ الأوربية شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراع! بل إنَّ عقلاء الغرب ومفكِّريه حذَّروا المرأةَ عندهم مِن عواقب هذا الاختلاط المشؤوم، ومِن الاستماع إلى شِعاراتِ الحرية والمساواة دونَ مراعاةِ الفوارق الطبيعيَّة بيْنها وبين الرَّجل.
وأذكُر هنا بعضًا مِن أقوالهم عن عواقبِ المساواة وترْك المرأة للبيتِ؛ حتى يدركَ النساءُ المسلِمات عظمةَ دينهنَّ، والله المستعان:
قالتِ الكاتبة الإنجليزيَّة اللادي كوك: "إنَّ الاختلاط يألفُه الرجالُ؛ ولهذا طمعتِ المرأة بما يخالف فِطرتَها وعلى قدْر كثرةِ الاختلاط تكون كثرةُ أولاد الزِّنا، وها هنا البلاءُ العظيم على المرأة، إلى أن قالت: علموهنَّ الابتعادَ عنِ الرِّجال، أخبروهنَّ بعاقبة الكيدِ الكامِن لهنَّ بالمرصاد".
وقال شهوبنهور الألماني: "قل: هو الخَلل العظيم في تَرتيبِ أحوالنا الذي دَعا المرأة لمشاركةِ الرَّجل في علوِّ مجدِه وباذخ رِفعته، وسهَّل عليها التعالي في مطامِعها الدنيئة حتى أفسدتها المدنيَّةُ الحديثة بقُوى سلطانها ودَنيء آرائها".
وقال اللورد بيرون: "لو تَفكَّرتَ أيها المطالع فيما كانتْ عليه المرأةُ في عهد قُدماء اليونان، لوجدتَها حالة مُصطَنعة مخالفة للطبيعة، ولرأيتَ معي وجوبَ إشغال المرأة بالأعمال المنزليَّة مع تحسُّن غِذائها وملبسها فيه، وضرورة حجْبها عن الاختلاط بالغير".
وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: "إنَّ النظام الذي يَقضي بتشغيلِ المرأة في المعامِل مهما نشَأ عنه مِن الثروة للبلاد، فإنَّ نتيجته كانتْ هادمةً لبناء الحياة المنزليَّة؛ لأنَّه هاجم هيكلَ المنزل، وقوَّض أركانَ الأسرة، ومزَّق الروابط الاجتماعية؛ فإنَّه يسلُب الزوجةَ مِن زوجها والأولادَ من أقاربهم، إذ وظيفةُ المرأة الحقيقيَّة هي القيام بالواجبات المنزليَّة؛ مثل: ترتيب مسكنِها وتربية أولادِها، والاقتصاد في وسائلِ معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيئيَّة.
ولكن المعامل تسلخها مِن كلِّ هذه الواجباتِ بحيث أصبحتِ المنازل غيرَ المنازل، وأصبحت الأولادُ تشبُّ على عدمِ التربية وتُلقَى في زوايا الإهمال، وطُفِئت المحبَّة الزوجيَّة، وخرجتِ المرأة عن كونِها الزوجةَ الظريفة، والقرينةَ المحبَّة للرجل، وصارت زميلتَه في العمل والمشاقِّ، وباتت معرضةً للتأثيرات التي تمحو غالبًا التواضعَ الفِكري والأخلاقي الذي عليه مدارُ حِفظ الفضيلة". اهـ.
ومِن ثَمَّ يتبيَّن للنساء أنَّ عملهنَّ إن كان مناسبًا لطبيعتهنَّ ولا يهين أنوثتهنَّ أو يخدش حيائهنَّ باختلاطهنَّ بالرِّجال، ويكون حاجتهنَّ له ضروريَّة لعدمِ وجودِ عائلٍ لهنَّ، أو وجوده وعجْزه عن الحدِّ الأدْنَى لمتطلبات الأُسرة، مع مراعاةِ عدمِ إهمالهنَّ لحقوقِ أسرتهنَّ مِن زوج وأولاد، والتزامهنَّ بالحجاب الشَّرعي، وموافقة الأزواج لهنَّ؛ لأنَّهم القوَّامون عليهنَّ - لو توفَّرتْ هذه الشروط جازَ عملهنَّ للضرورة، وخِلاف ذلك كعملهنَّ لإثباتِ مهارتهنَّ وقدرتهنَّ على التنافُس مع الرِّجال أو لقتْل المَلل من بقائهنَّ في البيت أو ما أشْبهَ ذلك - لا يجوز شرعًا، والله المستعان.
الوصية الثالثة: حفظ اللسان من الإيمان:
الثَّرثرة ُوالقِيل والقال في الجلسات الخاصَّة والعامَّة، أو في الهواتِف أو ما أشْبه ذلك والأخْذ في الأعراض، سواء عنِ الأصدقاء أو الجِيران أو غيرهما لهو فاكهةُ مجالس النِّساء إلا مَن رحِم ربي منهنَّ.
ولا يَخْفَى عنهنَّ خطورة ذلك وقدْحه في صِحَّة إيمانهنَّ بالله تعالى؛ لأنَّ الغِيبة أو النميمة أو القَذْف أو قولَ الزور في تناقُل الإشاعات دون التأكُّد مِن صحَّتها - تُثير البلبلةَ والفِتنة، وتؤذي المؤمنين والمؤمنات بغيرِ جريرة لإشاعةِ كاذبة أطْلَقها حقودٌ على بعضِ الناس وصدَّقها، دون أن يَراها فاسِق فأنْبَأ بها غيرَه وتناقلتها الألسنُ، وانتشرتْ كانتشار النارِ في الهشيم، وكأنَّ مَن قالوها ونقلوها رَأوها رؤيةَ عين وهو ما لم يَحدُث قطعًا! وهو ما يخالِف قوله تَعالى: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
قال السعديُّ - رحمه الله - في تفسيرها ما مختصره:
مِن الآداب التي على أُولي الألباب التأدُّب بها واستعمالها: أنَّه إذا أخبرَهم فاسقٌ بخبر أن يتثبتوا في خبرِه، ولا يأخذوه مجرَّدًا، فإنَّ في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإنَّ خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدْل، حُكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصَل من تلفِ النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر - ما يكون سببًا للنَّدامة، بل الواجب عند خبر الفاسِق التثبُّت والتبيُّن، فإن دلَّتِ الدلائل والقرائن على صِدقه، عمِل به وصدَّق، وإنْ دلَّت على كذبِه، كذب، ولم يعملْ به. اهـ.
- انظر تفسير السعدي (ص: 799) طبع مؤسسة الرسالة.
ومِن ثَمَّ نُحذِّر النساء مِن القيل والقال الذي ينتشر بينهنَّ، فهو لا يليق بالمسلِمات المؤمنات العابدات الموحِّدات لله رب العالمين.
وينبغي عليهنَّ حِفظُ ألسنتهنَّ من كل ما يسخط الله تعالى عليهنَّ، وهو القائل - جلَّ جلاله -:
﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
كما أُذكرهنَّ بقولِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر، فليقلْ خيرًا، أو ليصمت))؛ البخاري في الأدب (6018) ومسلم في الإيمان (47).
قال النووي:
وهذا الحديثُ صريحٌ في أنَّه يَنبغي ألا يتكلَّم إلاَّ إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرتْ مصلحته، ومتَى شكَّ في ظهورِ المصلحة، فلا يتكلَّم. اهـ.
الوصية الرابعة: حِفظ السمع عن الاستماع لمزاميرِ الشيطان:
أدمنتِ الكثيراتُ مِن النساء السماعَ الشيطاني، وأقصد به: الغناء، وشُغِفْنَ به، حتى صارَ أهلُه من المطربين والمطربات لهنَّ قُدوة!
والكثيرات منهنَّ يحفظنَ أغاني أهل الطَّرب والعُري، ولا يحفظنَ شيئًا مِن كتاب الله تعالى، ويتمنَّين أن يكُنَّ مثلَهم في الشهرة والمال، ويساعد على هذا التدليس تمجيدُ وسائل الإعلامِ المختلفة لهم، وتتبُّع أخبار زواجهم وطلاقهم وأعمالهم... إلخ.
واعتبارهم قممًا ورموزًا وطنيَّة، ومِن أسباب نهضةِ الأمَّة ورقيِّها!
ومِن ثَمَّ أحذِّر النساء مِن هذا التدليس، وأُذكرهنَّ بقول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6 - 7].
- وقال العلاَّمة ابن القيِّم - رحِمه الله تعالى -: اعلم أنَّ للغِناء خواصَّ لها تأثير في صَبغ القلْب بالنِّفاق ونباته فيه كنباتِ الزَّرع بالماء، فمِن خواصِّه: أنه يُلهي القلب ويصدُّه عن فَهم القرآن وتدبُّره والعمل بما فيه، فإنَّ القرآنَ والغناء لا يجتمعانِ في القلب أبدًا؛ لما بينهما مِن التضاد، فإنَّ القرآن ينهَى عن اتباع الهوى، ويأمُر بالعفَّة ومجانبة شهواتِ النفوس وأسباب الغي، ويَنهى عن اتِّباع خُطوات الشيطان، والغناء يأمُر بضدِّ ذلك كله. اهـ.
- وكذلك أذكرهنَّ بقولِ نبيهنَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يكون في أُمَّتي خسفٌ وقذفٌ ومَسْخ))، قيل: يا رسولَ الله متى؟ قال: ((إذا ظهرتِ المعازفُ والقينات واستحلَّتِ الخمر))؛ أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن (4060)، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (1787).
والمعازِف هي آلاتُ اللهو المحرَّمة، والقينات جمْع قينة وهي المغنية، ولعلَّ فيما ذكرتُه مِن أدلَّة من القرآن والسنة ما يُقنع نساءَنا وبناتِنا بِتَرْك هذا السَّماع الشيطاني، والإقلاع عن اتِّخاذ أهله قدوةً واتِّباع الحق وهو أحق أن يتبع.
الوصية الخامسة: لا تهجرن بيوت الله:
هجَر كثيرٌ من النِّساء بيوت الله والتعلمِ فيها بحُجَّة عَدَم فرضية الجماعة عليهنَّ:
مِن عجيبِ أمْر النساء تركهنَّ وعدَم رغبتهنَّ في اكتساب العِلم الشرعي النافِع لهنَّ في الدِّين والدنيا واندفاعهنَّ المتهوِّر في تعلُّم العلومِ غيرِ الشرعيَّة، والكثير منها لا حاجةَ لهنَّ فيها إلاَّ التباهي والتفاخُر به أو التنافس الممقوت مع الرجل في الصالح والطالح.
وهذه ليس دعوةً لترْك العلوم الدنيويَّة النافِعة لهنَّ وجلوسهنَّ في البيت لا يفقهْن شيئًا في علوم الدِّين أو الدنيا!! والاكتفاء بلقبٍ كان له رَنَّة وشرف قديمًا، وهو أن يُقال عن المرأة: إنها "رَبَّة بيت".
قطعًا هذا ما لا أقصِده ولا أَرضاه لنسائنا وبناتنا اليومَ؛ لماذا؟
لأنَّ الجهل لا يَنفع في عصرِنا الحالي مع تقدُّم العلوم في كلِّ مجالات الحياة، وتعلّم الأبناء علومًا لم يعرفها جيلُ النساء قديمًا، وكون المرأةِ ربةَ بيت بمفهومه القديم؛ أي: جاهلة لا تَقرأ ولا تكتُب ولا تفقه شيئًا في دِينها، وتعتمد فقط على فِطرتها السوية في التوجيه والإرشاد، كل ذلك لا يَنفعها اليوم شيئًا!!
ورَبَّة البيت هذه لا ناقةَ لها ولا جمل أمامَ أبنائها؛ لأنَّ قدرتها في تَربيتهم وإقناعهم وتوجيهم بعقليةِ القرن الماضي للطريقِ السوي في عصرِ الاستنساخ و(الكمبيوتر) والعولمة أمرٌ صعب، بل هو محال.
وإنَّما ربَّة البيت بمفهومه العصري، والذي نحثُّ عليه نساءَنا وبناتِنا، هو أن تكونَ المرأة مثقَّفة دِينيًّا وعلميًّا، تُميِّز بين الحلال والحرام، بيْن الصواب والخطأ، بين ما ينفع الأبناء وما يضرُّ.
ومِن ثَم تستطيع أن تضعَ يديها على جذورِ المشاكل التي تُحيط بأُسْرتها وبالصَّبر والأناة والحِكمة، فضلاً عنِ الحنان والعاطِفة التي لا يُوازيها عاطفةٌ أخرى في الوجود "عاطفة الأمومة"، تَستطيع المرأة "ربَّة البيت العصريَّة" بكلِّ ما تملكه مِن عِلم وفِقه أن تضعَ الأمور في نِصابها الصحيح، وفي القرآن والسُّنة نصوصٌ كثيرة للحثِّ على العِلم، وخصوصًا العِلم الشرعي منها:
- قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حريصٌ على أن يتعلَّم نِساء الأمة العلمَ الشرعي، فقال مخاطبًا الرجالَ: ((لا تَمْنعوا إماءَ الله مساجدَ الله))؛ أخرجه مسلمٌ في الصلاة (442)، والبخاريُّ في الجمعة (900).
كما أذكِّر نِساءنا وبناتِنا بما كان عليه نِساء الصحابةِ الكرام - رضي الله عنهم، وعنهنَّ أجمعين - كانتِ المرأة منهنَّ حريصةً كلَّ الحِرص على الذَّهاب لمسجدِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّين خلفَه ويستمعْنَ إليه، بل ويسألْنَه أن يُخصِّص لهنَّ يومًا لتفقيههنَّ في الدِّين.
- فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - قال: جاءتِ امرأةٌ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، ذَهَب الرِّجال بحديثك فاجعلْ لنا مِن نفسك يومًا نأتيك فيه، تُعلِّمنا ممَّا علَّمك الله، قال: ((اجتمعْنَ يومَ كذا وكذا))، فاجتمعْنَ فأتاهنَّ رَسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعَلَّمهنَّ ممَّا علَّمه الله، ثم قال: ((ما مِنكنَّ مِن امرأةٍ تقدِّم بين يديها مِن ولدِها ثلاثةً إلاَّ كانوا لها حجابًا مِن النار، فقالت امرأة: واثنين، واثْنين، واثنين؟ فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((واثْنين واثنيَن واثنين))؛ أخرجه مسلم في البِر والصلة (2634).
ومِن ثَمَّ يَنبغي على النِّساء أن يحْضُرْنَ بيوت الله، ولا يَحرِمهنَّ أزواجهنَّ من ذلك؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَمْنعوا إماءَ الله مساجدَ الله))، شريطةَ خروجهنَّ على ما يوافق الشَّرْع كعدمِ التعطر والتبرُّج عندَ الخروج... إلخ.
وختامًا: أنبِّه نِساءنا وبناتِنا بخطورةِ إهمال هذِه الوصايا القيِّمة، وأوصيهنَّ بأن يتَّقين الله تعالى.
والله مِن وراء القصد، وهو يَهدي السبيل.