رابعاً: أنواع الصور:
تنقسم الصور من حيث الجملة إلى قسمين أساسين:
القسم الأول: الصورة الفنية:
وهي الصور التي يصنعها الإنسان بمقدرته الذاتية مضاهياً بها خلق
الله. مظهراً بها قدرته الفنية،وقدرته على المحاكاة والإبداع، والمضاهاة، وهذه
الصور هي التي يسمى صانعها (بالفنان) لأنه في نظر الناس مبدع قد ضاهى الأصل، أو
شابه الحقيقة، بل رأيت تعليقاً لأحد الكتاب على تمثال من يسمونها (فينوس) آلهة
الجمال عن الإغريق يقول فيه الكاتب ما معناه : قد أبدع الفنان في صناعة تمثال
فينوس وكأنه يقول للطبيعة هكذا يكون الخلق!! انتهى.
فانظر: إنه يرى أن ذلك النحات قد أبدع بما لم يبدعه الخالق سبحانه
وتعالى، ولا شك أن كثيراً من هؤلاء الرسامين والنحاتين يدخلهم الغرور والعظمة
ويظنون أنهم قد شابهوا أو جاروا الطبيعة في زعمهم ولا شك أن هؤلاء هم أول من ينصرف
عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه : [ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي].
وهذه الصورة الفنية سواء كانت تمثالاً مجسماً، أو تمثالاً منقوشاً
على ورق أو قماش أو غير ذلك والتي لا يريد بها صاحبها إلا إثبات قدرته الفنية حرام
حرمة مطلقة لأن العلة الأولى من علل التحريم ثابتة فيها، ثم إذا كانت صناعة لتمثال
معبود أو زعيم معظم، فإنها تجتمع فيها علتا التحريم كلتاهما : مضاهاة خلق الله،
وصناعة آلهة تعبد وتعظم من دون الله ثم فيها أضرار أخرى إنها هدر للجهد الإنساني
فيما لا فائدة منه ولا خير فيه، فأدنى الشرور في الصورة الفنية أن تكون زينة وهي
على كل حال محرمة يمكن الاستعاضة عنها بزينة مباحة كما قال ابن عباس لذلك المصور:
(فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح) ونحو ذلك المصدر.
القسم الثاني: الصورة الآلية:
وهذه الصورة الآلية يندرج تحتها كثير من الأنواع تبعاً للآلة التي
تلتقط هذه الصورة وتنقلها أو تسجلها وتحتفظ بها.
ومن هذه الصور ما يلي:
1- صورة آلة التصوير المعروفة باسم (الكاميرا) هذه الآلة تلتقط
الصورة التي توجه إليها الآلة، عن طريق نقل الأضواء والظلال الواقعة على الجسم
وطبعها على ألواح (شريط) بلاستيك شفافة ثم يعاد طبع الصورة على ورق عن طريق تمرير
ضوء من خلال هذا اللوح أو الشريط البلاستيكي.
ولا شك هذه الصورة ليست صورة فنية يراد بها إثبات مقدرة الفنان أو
الرسام أو المصور والقدرة الفنية هنا إنما هي قدرة الآلة التي تتمثل في العدسات
التي مر خلالها الظلال والأضواء وحساسية الشريط... ولا يستطيع المصور أن يدعي له
أنه هو الذي اخترع هذه الصورة أو ابتدعها أو ضاهى الحقيقة.
2- صورة الشريط السينمائي: وهذه عبارة عن آلاف الصور المتعاقبة في
شريط واحد والتي تلتقطها الآلة في كل جزء يسير من الثانية، فإذا أدير الشريط مرة
ثانية أمام الضوء ونفذ الضوء من خلال الشريط الذي طبعت عليه هذه الآلاف المؤلفة من
الصور فإن الصورة تظهر على شاشة العرض المتحركة لنفس الحركة التي كانت وقت التقاط
الصورة، فإذا أضيف إلى ذلك إظهار الكلام المسجل وقت تصوير الصورة ظهر الكلام
والصورة... ولا شك أن هذه الصورة أيضاً ينتفي منها معنى المضاهاة والخلق، فالمصور
لم يخلق كخلق الله، ولم يصنع ما يعارض به فعل الله بل سجل وقائع الخلق، وحركات
الحيوان أو الإنسان، وأعاد عرضها أمام المشاهد، وهذه الصورة التي تسمى بالصورة
السينمائية نسبة إلى الآلة التي تفعل ذلك.
3- صورة التلفزيون: وهذه الصورة تنقل عن طريق البث المباشر من آله
الالتقاط وهي (كاميرا التصوير) التي تحول الصورة إلى ذبذبات كهربية مغناطيسية تطبع
على أشرطة التسجيل ليس بشكل صورة وإنما بشكل إشارات ضوئية كهربية مغناطيسية إلى
جهاز الاستقبال وهو التلفزيون، الذي يجمع هذه الموجات ويخرجها عن طريق الضوء إلى
نفس الصورة الملتقطة أمام (كاميرا) التصوير: آلة التقاط الصورة.
وهذه الصورة (التلفزيونية) قد توسع استعمالها جداً في الحياة العملية
فقد دخل إلى جهاز التلفزيون حيث ينقل الجهاز الجديد صورة المتكلم مع صوته وكذلك
استعملت هذه الصورة مع التلفون ذو الدائرة المحدودة على أبواب المنازل الذي يتكلم
فيه القادم فتظهر الصورة أيضاً داخل المنزل، وكذلك في مراقبة مداخل البنايات حيث
يسجل المنزل على مدار الساعة ليلاً ونهاراً كل داخل إلى البناء، والحرمين الشريفين
قد وضع لها شبكات كاملة لمراقبة كل حركة وسكنة على مدار الساعة.
والشاهد أن العالم قد توسع توسعاً هائلاً في هذا النوع من التصوير.
4- صور الأشعة: وهي صورة تلتقط عن طريق آلات التصوير كذلك لرسم
الأجزاء الداخلية من جسم الإنسان.
5- صورة السونار: وهي فصيل من التصوير بالأشعة إلا أنه ينقل الصورة
من دخل الجسم البشري مع الحركة إلى شاشة التلفزيون، فيمكن تصوير الجنين بواسطته،
ونقل عمل الأجهزة الداخلية للجسم.
خامساً: حكم الصور الضوئية الآلية:
الصور المتخذة بآلة التصوير والتي تنقل الظلال والأضواء الواقعة على
الجسم، إلى السطوح التي تطبع عليها إما بدرجات اللونين : الأسود والأبيض، وإما
بالألوان الطبيعية للجسم، هذه الصور عند النظر والتحقيق تخالف الصور التي جاء النص
بها في السنة من الوجوه الآتية :
أولاً: أنها أشبه شيء بصورة المرآة العاكسة التي تطبع على صفحاتها
ولا تزيد عليها إلا أن صورة المرآة تبقى خيالاً يذهب بذهاب الجسم المواجه للمرآة،
وأما صورة آلة التصوير فإنها تطبع هذه الظلال أو الخيال على السطوح المعدة لذلك،
ولا يقول أحد أن صورة المرآة مضاهاة لخلق الله. بل المرآة تعكس الصور المقابلة ولا
فعل للمرآة غير ذلك. والصورة المطبوعة في المرآة ليس فيها قط معنى المضاهاة، وكذلك
الصورة التي تنقلها وتطبعها آله التصوير.
ثانياً: لا شك أنه بتتبع علة النهي عن الصور تصويراً وتعليقاً نجد أن
هذه العلل تنحصر فيما يأتي :
1- أنها
مضاهاة لخلق الله وعدوان على اسمه المصور.
2- أنها ذريعة إلى تعظيم المخلوقات وبذلك تكون ذريعة للشرك بالله.
3- أن تعليق الصور على الجدران والستور معصية تحرم المسلم من غشيان
ملائكة الرحمة، وحصول البركة في المسكن والدار.
هذه هي العلل الثالث بالاستقصاء والاستقراء التي من أجلها جاء تحريم
صناعة الصور وتعليقها.
وهذه العلل الثلاث منتفية في التصوير بالآلة إذا لم يتبع ذلك تعليق
هذه الصور ورفعها على الجدران والستور، وبيان هذا الإجمال على النحو التالي :
1- لا يزعم زاعم أن صورة آلة التصوير مضاهاة لخلق الله. بل هي انعكاس
على الورق أو أي سطح آخر، ولا تتدخل القدرة الفنية هنا بكثير أو قليل إلا من حيث
اتقان وضع الآلة وتوجيهها وإلا فإن إبراز الصورة، إنما هو فعل المرآة، والعدسات
والأضواء الساقطة... والصورة التي يلتقطها الطفل والكبير والذكي والغبي بالآلة
سواء، بل الآلة يمكن لها أن تلتقط الصور تلقائياً، وبالتالي لا يزعم أحد أن المصور
هو المضاهي لخلق الله، والتحريم في الأحاديث منصب على إنسان يزعم أن لديه القدرة
الفنية، والمقدرة على أن يصور كما يصور الله ويخلق كما يخلق الله!! وبالتالي هو
يضاهي نفسه بالله المصور سبحانه وتعالى.
وأما الذي يصور بالآلة فقد لا يحسن أن يكتب ألفاً أو باء فضلاً على
أن ينقش أو يرسم حيواناً أو إنساناً.. فالرسم الفني يحتاج إلى مقدرة فنية تتيح
لصاحبها أن يصور وأن يضاهي خلق الله، وهذه المقدرة الفنية قد تدفع صاحبها، بل دفعت
بعض الناس إلى أن يزعم لنفسه أنه يصور كما يصور الله، ويخلق كما يخلق الله سبحانه
وتعالى.
وهذا كله مُنْتَفٍ في حبس الصورة وإخراجها بواسطة آلة التصوير التي
لا دخل مطلقاً للإنسان في تشكيلها وتحديد ملامحها، بل الآلة تنقل الشكل والصورة
الموجودة في الخارج دون أدنى مقدرة فنية من الذي يمسك الآلة ويوجهها.
وهكذا نتيقن إن شاء الله أن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن رب
العزة تبارك وتعالى [ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي] لا ينطبق على هذه الصورة فآلة
التصوير نقلت وصورت خلق الله كما هو وطبعته على الورقة أو سطح آخر لا يقول قائل
هذه الصورة من تصوير الفنان الفلاني، فقد يكون الذي التقطها بتوجيه الآلة إليها
طفل صغير لا يحسن حرفاً من حروف الكتابة فضلاً على أن يصور صورة.
وبالتالي من قال إن هذا الطفل قد ضاهى خلق الله أو اعتدى على اسمه
المصور فقد جاوز الحد جداً...
بل من قال يحرم نقل صورة المخلوقات بآلة التصوير فإنه يلزم تحريم
المرآة، وكذلك تحريم نقل الصورة بواسطة التلفاز، لأن المستخدم هنا وهنا هو آلة
التصوير، غير أن آلة التصوير الضوئي تطبع ظلال الصورة ودرجات الضوء على الشريط
العاكس، وأما آلة التصوير التلفازي فإنها تطبع على الشريط على شكل موجات كهربائية
مغناطيسية، وهذه الموجات تترجم تلقائياً على صفحة (شاشة) التلفاز صورة كاملة ثم
تتحرك بإدارة الشريط، وهبوط الصور تلقائياً وكما أن المصور التلفازي (التلفزيوني)
لا يدعي أنه يضاهي خلق الله في أن يخلق رجالاً ولا نساءً أو أطفالاً يتحركون
ويتكلمون، ويمثلون... الخ
وإنما هو ينقل ما هو موجود في الخارج فكذلك المصور ينقل ما هو موجود
في الخارج بآلته... غير أنه ينقل ذلك صورة صورة، كل صورة مطبوعة بذاتها في لحظة
واحدة من لحظات الزمن، وأما المصور التلفازي فإنه ينقل آلاف بل ملايين الصور في
الساعة الواحدة من الزمان وهذه الصور المتتابعة هي التي تنشيء الحركة التي نراها
على صفحة (شاشة) التلفزيون.
وكما أنه لا يوجد هاهنا مضاهاة لخلق الله فكذلك لا يوجد في الصورة
الضوئية مضاهاة لخلق الله. بل هذه صورة خلق الله، وهذه كذلك صورة خلق الله سبحانه
وتعالى.