هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الموقع الشخصي للكاتب المصري سيد مبارك ( بث مباشر للقنوات الإسلامية - مواقع إسلامية - مكتبة إسلامية شاملة - برامج أسلامية - القرأن الكريم وعلومه)
مؤلفات الشيخ سيد مبارك أطلبها من المكتبة المحمودية بالأزهر الشريف- مكتبة أولاد الشيخ بفيصل- مؤسسة قرطبة بالهرم...مؤلفات الشيخ سيد مبارك أطلبها من المكتبة المحمودية بالأزهر الشريف- مكتبة أولاد الشيخ بفيصل- مؤسسة قرطبة بالهرم
حديث: "لما حملت حوّاء طاف بها إبليس روايةً ودرايةً/أبصار الإسلام بن وقار الإسلام
كاتب الموضوع
رسالة
الشيخ سيد Ù…Ø¨Ø§Ø صاحب الموقع
عدد الرسائل : 2210 العمر : 63 العمل/الترفيه : كاتب اسلامى تاريخ التسجيل : 07/12/2008
موضوع: حديث: "لما حملت حوّاء طاف بها إبليس روايةً ودرايةً/أبصار الإسلام بن وقار الإسلام يونيو 26th 2012, 8:34 pm
حديث: "لما حملت حوّاء طاف بها إبليس ، و كان لا يعيش لها ولدٌ ، فقال : سمّيه عبد الحارث ، فسمّته عبد الحارث .." الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن آدم عليه السلام نبيٌّ من الأنبياء ، و قد اتفقت كلمة المسلمين على عصمة الأنبياء من الشرك ،ومع ذلك وقع خلاف في توجيه قوله تعالى :] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [([1]).
وروي عن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عن النبي r قال : "لما حملت حوّاء طاف بها إبليس ، و كان لا يعيش لها ولدٌ ، فقال : سمّيه عبد الحارث ، فسمّته عبد الحارث ، فعاش ذلك ، و كان ذلك من وحي الشيطان و أمره". ([2])
و قد كثر كلام العلماء في توجيه هذه النصوص ، و كثر اختلافهم فيها ، فمنهم من صحّح حديث سمرة ، و اعتذر لآدم و حوّاء بأن شركهما ليس شرك عبادةٍ ، و منهم من ضعّف هذا الحديث ، و اختلفوا في معنى الآية ، و لا شكّ أن آدم عليه السلام نبيٌّ من الأنبياء ، و قد اتفقت كلمة المسلين على عصمة الأنبياء من الشرك ، و لذلك لا تجد أحدًا من المفسّرين أو المحدّثين الذين تعرّضوا لتفسير الآية أو شرح الحديث ، إلا و حاولوا الدفاع عن عصمة آدم عليه السلام و ما قيل عن وقوعه في الشرك ، و أجاب كل واحدٍ بما تبيّن له .
و يمكن تلخيص ما جاء عنهم على قولين : ([3])
القول الأول :
تصحيح حديث سمرة ، و أنه ورد تفسيراً للآية ، و لكن هذا القول يلزم منه نسبة الشرك إلى آدم عليه السلام ، فلا بد من توجيهٍ لذلك .
و قد اختلف أصحاب هذا القول في توجيه الشرك المنسوب إلى آدم عليه السلام ، ولهم في ذلك عدّة توجيهاتٍ منها :
1_ إن الشرك المنسوب إلى آدم و حواء عليهما السلام لم يكن في العبادة ، و إنما هو شركٌ في التسمية ، حين سمّيا و لدهما عبد الحارث ، و الحارث هم اسم إبليس ، و آدم و حواء لم يعتقدا بتسمية و لدهما عبد الحارث أن الحارث ربهما ، و قد ذهب إليه ابن جرير الطبري ([4]) ، و ابن قتيبة ([5]) ، و استحسنه الألوسي ([6]) .
و قد روى ابن جرير آثارًا عن السلف تؤيّد هذا القول ، فروى عن ابن عباس أنه قال : أشركه في طاعته في غير عبادةٍ ، و لم يشرك بالله و لكن أطاعه ([7]) .
و عن قتادة قال : شركاء في طاعته ، و لم يكن في عبادته ([8]) .
و عن السدّي قال : ( ... فذلك حين يقول الله : ] جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [ يعني في التسمية ([9]) ، و يدل عليه قراءة من قرأ : ( جعلا له شِركًا ) بمعنى الشركة يعني بالاسم ([10]) .
و يفهم من سياق كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله_ ترجيح هذا التفسير ، و تابعه عليه الشيخ سليمان بن عبد الله ، حيث قال : و إذا تأملت سياق الكلام من أوله إلى آخره مع ما فسّره به السلف تبيّن قطعًا أن ذلك في آدم و حواء عليهما السلام ، فإن فيه غير موضعٍ يدل على ذلك ، و العجب ممن يكذب بهذه القصة ، و ينسى ما جرى أول مرّةٍ ، ويكابر بالتفاسير المبتدعة ، و يترك تفاسير السلف و أقوالهم ، و ليس المحذور في هذه القصة بأعظم من المحذور في المرة الأولى ) ([11]) ، والمقصود بقوله ( المرة الأولى ) الأكل من الشجرة .
قال الشيخ صالح آل الشيخ : ( ... هذه القصة لا تقتضي نقصًا في مقام آدم عليه السلام و لا في مقام حواء ، بل هو ذنبٌ من الذنوب تابا منه ، كما حصل لهما أول مرةٍ في الأكل من الشجرة ، بل إن أكلهما من الشجرة و مخالفة أمر الله عز و جل أعظم من هذا الذي حصل منهما هنا ، و هو تسمية الولد عبد الحارث ، و ذلك أن الخطاب الأول كان من الله عزوجل لآدم مباشرةً ، خاطبه الله عز و جل و نهاه عن أكل هذه الشجرة ، و هذا خطابٌ متوجّهٌ إلى آدم بنفسه ، و أما هذه التسمية فإنه لم ينهه عنها مباشرة ً، و إنما يُفهم النهي عنها من وجوب حق الله جل و علا ، فذاك المقام زاد على هذا المقام من جهة خطاب الله جل و علا المباشر لآدم عليه السلام ... ) ([12]) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد ذكر كلام ابن كثير ([13]) : و كأن أصله و الله أعلم مأخوذ ٌمن أهل الكتاب ، قال : و هذا بعيدٌ جدًّا ([14]) .
و قال الشيخ محمد خليل هراس بعد استعراض كلام ابن كثير في ردّ الروايات وتضعيفها: و هكذا نرى ابن كثير هنا أيضًا يحاول الخروج على ظاهر الآية ، و ينكر الأحاديث والآثار الموافقة لها و ينسبها إلى أخبار أهل الكتاب ، و نحن مع ميلنا إلى رأيه في هذه المسألة كنا نحب أن يصنع كما صنع غيره من حمل الآية على الظاهر ، ثم محاولة الدفاع عن آدم و حواء بأن شركهما إنما كان في التسمية لا في العبادة ، و كان على سبيل الخطأ غير المتعمّد ، و قد عوتبا عليه ([15]) .
و هذا القول قويٌّ كما يظهر ، و قد قال به جماعةٌ من السلف كما سبق ، و قال به ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنها حيث قال : لما تغشّاها آدم حملت ، فأتاهما إبليس فقال إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة ، لتطيعانني أو لأجعلنّ له قرني أيل ، فيخرج من بطنه فيشقه و لأفعلنّ و لأفعلنّ يخوّفهما سمّياه عبد الحارث ، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا ، ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله ، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا ، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما ، فأدركهما حبّ الولد ، فسمياه عبد الحارث ، فذاك قوله ( جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ([16]) .
و جاء بنحوه عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه ([17]) .
وهذا التوجيه فيما يظهر لي ، أقوى توجيهٌ للقائلين بصحة حديث سمرة ، و هناك توجيهاتٌ أخرى للقائلين بصحة الحديث ، أذكرها إجمالاً :
2_ ليس المراد بالتعبيد هنا الشرك في عبادة الله ، و إنما المراد منه الشرك في الطاعة ، و ذلك لما حصل منهما من طاعة الشيطان فيما أمرهما به ، و الذي يظهر أن هذا القول راجعٌ إلى الأول ، وقال به البغوي ([18]) و غيره ، و الله أعلم .
3_ قال بعضهم : لعله كان قبل النبوة ([19]) ، و يردّ عليهم بأمورٍ :
أ _ أنه لا دليل عليه .
ب _ لما أكل آدم من الشجرة ثم تاب تاب الله عليه و اصطفاه نبيًّا ، كما قال تعالى : ] ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [ ([20]) .
ج _ الشرك ممتنعٌ على الأنبياء حتى قبل النبوة ، على الراجح ([21]) .
4_ أن التسمية بعبد الحارث كان من حواء ، و لم يكن من آدم عليه السلام ، و قال به صديق حسن خان ([22]) ، و هو قولٌ حسنٌ ، لكن الروايات لا تؤيده ، و الله أعلم .
القول الثاني : تضعيف حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
و قال بذلك جماعةٌ من جهابذة المحدّثين ، و الحديث مرويٌّ من طريق عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة .
و قد بيّن الحافظ ابن كثير علل هذا الإسناد فقال : والغرض أن هذا الحديث معلولٌ من ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصريّ و قد وثّقه ابن معين ، و لكن قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به ، و لكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعًا .
الثاني : أنه قد روي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعًا كما قال ابن جرير و ذكره بسنده عن سمرة بن جندب قال : سمى آدم ابنه عبد الحارث ([23]) .
الثالث : أن الحسن نفسه فسّر الآية بغير هذا ، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا لما عدل عنه ثم نقل بسند ابن جرير عن الحسن قال : عنى به ذريّة آدم و من أشرك منهم بعده ، و بسنده أيضًا عن الحسن قال ( جعلا له شركاء فيما آتاهما ) كان هذا في بعض أهل الملل و لم يكن بآدم ، و بسنده عن الحسن قال : هم اليهود و النصارى ، رزقهم الله أولادًا فهودوا و نصروا ([24]) .
و هذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسّر الآية بذلك ، و هو من أحسن التفاسير و أولى ما حملت عليه الآية ، و لو كان هذا الحديث محفوظًا عنده عن رسول الله r لما عدل عنه هو و لا غيره ، و لا سيما مع تقواه لله و ورعه ، فهذا يدلك على أنه موقوفٌ على الصحابيّ ، و يحتمل أنه تلقّاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب و وهب بن منبّه وغيرهما ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع ، و الله أعلم ([25]) .
و زاد الشيخ ناصر الدين الألبانيّ علةً رابعةً و هي : أن الحسن في سماعه من سمرة خلافٌ مشهورٌ ، ثم هو مدلّسٌ ، و لم يصرّح بسماعه من سمرة ([26]) ، و قال عنه الذهبي : كان الحسن كثير التدليس فإذا قال في حديثٍ ( عن فلان ) ضعف احتجاجه ([27]) .
و فيه علةٌ خامسةٌ و هي : أن قتادة بن دعامة السدوسي ، موصوفٌ بكثرة التدليس ، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلّسين ([28]) ، و هم الذين لا تقبل رواياتهم إلا إذا صرّحوا فيها بالتحديث ، و هنا قد عنعن قتادة ، و لم يصرّح بالتدليس .
فتبيّن من هذه العلل أن الحديث ضعيفٌ ، و لا يصح رفعه إلى رسول الله r ، و قد قال الذهبي في الميزان : ( صحّحه الحاكم ، و هو حديثٌ منكرٌ كما ترى ) ([29]) .
و القائلون بتضعيف هذا الحديث هم الأئمة النّقاد ، و الجهابذة المحدّثون ، مثل ابن عدي و ابن حزم ، و ابن العربي ، و القرطبي ، و الذهبي ، و ابن القيّم ، و ابن كثير ، و ابن حجر ، والقاسمي ، و أحمد محمد شاكر ، و محمد الأمين الشنقيطي ، و الألباني ، و محمد بن صالح العثيمين و غيرهم كثير([30]) .
و هذا الحديث يظهر ضعفه من متنه أيضًا ، و بيان ذلك :
1_ أنه لم يرد تسمية إبليس بالحارث في غير هذه القصة ، بل جاء عن النبي r ما يرغّب في التسمية بالحارث ، ففي الحديث : ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله و عبد الرحمن و أصدقها حارث و همّام ) ([31]) فلو كان الحارث من أسماء إبليس لما رغّب في التسمية به .
2_ أن الله خلق آدم و حواء ، و جعلهما أصل البشر ، و بثّ منهما رجالاً كثيرًا و نساءً ، فمن المستبعد أن يولد أولادهما مييتين ، فإن ذلك مخالفٌ للحكمة التي من أجلها أنزلهما إلى الأرض([32]).
3_ أن آدم عليه السلام كان من أشد الناس معرفةً بإبليس و عداوته الشديدة له ، خاصّةً لما تسبّب في إخراجه من الجنة ، و كان آدم عالمًا بجميع الأسماء ، كما قال تعالى : ] و َعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [ ([33]) ، فلا بد أن يكون قد علم اسم إبليس ، و مع معرفته بالعداوة الشديدة بينهما فإنه يستبعد جدًّا أن يسمي ولده بعبد الحارث .
4_ أن إبليس لم يرد له ذكرٌ في الآية ، فلو كان اللعين كاد الأبوين في هذه القصة ، و غرّهما فعلاً حتى سمّيا ولدهما بعبد الحارث لورد ذكره و صرّح باسمه ، كما في قصة الأكل من الشجرة ، لأن المقام مقام تحذيرٍ من الانخداع بوسوسة إبليس .
5_ قوله تعالى : ] جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [ يدل على أن المتَّخذ شريكًا لله جماعةٌ و ليس بواحدٍ ، في حين أن المتَّخذ شريكًا على هذا القول واحدٌ و هو إبليس ، فالتعبير بصيغة الجمع يدل على ضعف هذا القول و يردّه .
6_ قال تعالى : ] فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [ فأخبر عمن أشرك بصيغة الجمع ، فلو كان المراد آدم و حواء لقال ( يشركان ) .
7_ قال تعالى : ] أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ و هذا يدل على أن المقصود الرد على من جعل الأصنام شركاء لله ، و لو كان المراد إبليس لقال ( أيشركون من لا يخلق ) ، لأن العاقل إنما يذكر بصيغة ( من ) لا بصيغة ( ما ) غالبًا ([34]) .
و هذه الثلاثة الأخيرة فيها نظرٌ ، فأما الأول فلأن المفرد قد يُذكر بصيغة الجمع للتعظيم أو لأمرٍ آخر كما هو مقرّرٌ في اللغة ، و أما الثاني فلأن أقل الجمع في اللغة اثنان ، و أما الثالث فلأنه قد يعبر عن العاقل بـ ( ما ) لغرضٍ معيّنٍ ، و هذا و إن كان قليلاً إلا أن له شواهد في لغة العرب .
8_ أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء ، و لا سيّما بعد النبوة ، و هذا الحديث يلزم منه عدم عصمتهم من الشرك ، و كل قولٍ طعن في مقام الرسالة ، و عصمة الأنبياء فهو مردودٌ على قائله ([35]) .
و أما أثر ابن عباس رضي الله عنهما الذي ورد تفسيرًا للآية ، فهو مع ما في إسناده من كلامٍ ([36]) ، فمتنه أيضًا لا يخلو من انتقادٍ ، و بيان ذلك ([37]) :
1_ أن هذا من الأخبار التي لا تتلقى إلا بالوحي ، و ليس فيه خبرٌ صحيحٌ عن النبي r ، و قد قال ابن حزم عن هذه القصة : إنها روايةٌ خرافةٌ مكذوبةٌ موضوعةٌ ([38]) .
2_ أنه لو كانت هذه القصة في آدم و حواء ، لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك أو يموتا عليه فإن قلنا : ماتا عليه ، فإن من جوّز موت أحدٍ من الأنبياء على الشرك فقد أعظم الفرية ، و إن كان تابا من الشرك ، فلا يليق بحكمة الله و عدله و رحمته أن يذكر خطأهما و لا يذكر توبته منها كما في قصة آدم و حواء و أكلهما من الشجرة .
3_ أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم فيطلبون منه الشفاعة ، فيعتذر بأكله من الشجرة ([39]) و هو معصيةٌ ، و لو وقع منه الشرك لاعتذر به .
4_ أن في هذه القصة أن الشيطان جاء إليهما و قال : أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة ، و هذا لا يقوله من يريد الإغواء ، و إنما يأتي بشيءٍ يقّرب قبول قوله .
5_ أن في قوله في هذه القصة ( لتطيعانني أو لأجعلنّ له قرني أيل ... ) فإما أن يصدقا أن ذلك ممكنٌ في حقّه ، فهذا شركٌ في الربوبية ، لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله ، أو لا يصدقا ، فلا يمكن أن يقبلا قوله و هما يعلمان أن ذلك غير ممكنٍ في حقّه .
و هذا أقوى ما تمسّك به من نسب القصة إلى آدم و حواء عليهما السلام ، أعني حديث سمرة ، و أثر ابن عباس ، و قد تبيّن الكلام عليهما سندًا و متنًا ، و الله أعلم .
و السؤال : ما هو تفسير الآية عند من قال بتضعيف الحديث ؟
اختلف القائلون بتضعيف حديث سمرة في تفسير الآية و المراد بها على أقوالٍ :
القول الأول : أن المراد بالنفس الواحدة و زوجها آدم و حواء عليهما السلام ، و لكن الشرك المذكور لم يكن صادرًا منهما ، و إنما كان من بعض أولادهما ، و ذهب إليه عكرمة ([40]) ، والحسن البصري ([41]) ، و اختاره ابن كثبر([42]) ، و ابن حجر ([43]) ، و رجّحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي([44]) ، و غيرهم .
و استشكل عليه قوله تعالى : ] جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [ ، و أجاب هؤلاء عن هذا الإشكال بأجوبة ٍمنها :
1_ أن الكلام على حذف مضافٍ ، والتقدير ( جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما ) والتثنية على أن ولده قسمان : ذكرٌ و أنثى ([45]) .
2_ أن أول الآية موصول ٌبآخرها لفظًا ، و لكنه مفصولٌ منها معنًى ، و له أمثلة ٌمنها قوله تعالى: ] وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [ ([46]) ، فالأول آدم والثاني بنوه ، و اختار هذا التوجيه ابن القيم ([47]) ، و ابن كثير ([48]) ، و السيوطي ([49]) ، والسعدي([50]) ، و غيرهم .
3_ معنى الآية أنه تعالى آتى آدم و حواء نسلاً صالحًا ، و لكن كفر بعد ذلك كثير ٌمن نسلهما ، فأسند فعل الذرّيّة إلى آدم و حواء ، لأنهما أصلٌ لذرّيّتهما ، و له نظائر في القرآن منها قوله تعالى: ] وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ [ أي : بخلقنا و تصويرنا لأبيكم آدم بدليل قوله تعالى : ] ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [ ([51]) ، و إليه ذهب الشنقيطي([52]) _رحمه الله_ .
و هذا القول فيه قوّةٌ كما يظهر ، و قال به كثبرٌ من الأئمة المحقّقين كما سبق ، و لعله أقوى ما قيل في الآية على رأي من ضعّف حديث سمرة ، و الله أعلم .
القول الثاني : المراد بالنفس الواحدة في هذه الآية الجنس ، و جعل من هذا الجنس زوجه ، و لم يجعل زوجه من البقر أو الضأن و نحو ذلك ، و النفس بمعنى الجنس له نظائر منها قوله تعالى : ]لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ ([53]) أي : من جنسهم ، و عليه فلا يكون في هذه الآيات ذكرٌ لآدم و حواء ، و اختاره ابن العربي ([54]) ، و الشيخ محمد بن صالح العثيمين ([55]) .
القول الثالث : أن الآية خطابٌ لكفار قريش ، و هم آل قصيّ ، والمراد بالنفس الواحدة فصيّ و كان له زوجٌ من جنسه عربيّةٌ قرشيّةٌ ، و طلبا من الله أن يعطيهما الولد ، فأعطاهما أربعة بنين فسمّاهم : عبد مناف ، و عبد شمس ، و عبد العزّى ، و عبد الدار ، و الضمير في ( يشركون ) لهما و لأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك ، و إليه ذهب الزمخشري ([56]) ، و هذا لا قول لا مستند له ، و سياق الآية لا يؤيّده ، إذ الخطاب عامٌّ ( هو الذي خلقكم ) لبني آدم كلهم ، وليس خاصًّا بآل قصيّ ، و الله أعلم .
هذا خلاصة ما في هذه المسألة ، والخلاف فيها قويٌّ كما هو ظاهرٌ ، و لعل القول بتضعيف حديث سمرة أقرب ، و توجيه الآية بأن الشرك لم يكن من آدم و حواء عليها السلام بل من بعض أولادهما فيه قوّةٌ ، و الله أعلم بالصواب.
كتبه :أبصار الإسلام بن وقار الإسلام
(1) الأعراف : 189 _ 191 .
(1) أخرجه أحمد في مسنده برقم (20117) ، و الترمذي في كتاب تفسير القرآن في سورة الأعراف برقم (3077) واللفظ له ، و ابن جرير في تفسيره (9/147) ، و الطبراني في الكبير (7/215) ، والحاكم (2/545) وقال : هذا حديث ٌصحيحٌ الإسناد و لم يخرّجاه ، و ضعفه ابن كثيرٍ في تفسيره (2/285_286) ، والألباني في السلسلة الضعيفة ح (342) ، و سيأتي بإذن الله الكلام على إسناده مفصّلاً عند ذكر من ضعّف الحديث ص 33 وما بعدها .
(3) مستفاد من : المسائل العقدية المتعلقة بآدم عليه السلام ص 767 .
(1) تفسير الطبري ( 9 / 146 _ 147 ) .
(2) تأويل مشكل القرآن ص 259 .
(3) روح المعاني ( 9 / 140 _ 142 ) .
(4) تفسير الطبري ( 9 / 146 ) .
(5) المصدر السابق ( 9 / 148 ) .
(6) المصدر السابق ( 9 / 148 ) .
(7) المصدر السابق ( 9 / 149 ) .
(8) تيسير العزيز الحميد ص 546 .
(1) التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص 499_500 .
(2) سيأتي كلام ابن كثير عن هذا الحديث في الصفحة التالية .
(3) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 492 .
(4) دعوة التوحيد ص 95 .
(5) له ستة طرق عن ابن عباس : أخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره (5/1634) برقم (8654) و سعيد بن منصور في سننه (5/173) ح (973) و الطبري في تفسيره (9/146) و قد ذكر له ثلاثة طرق ، و قال الشيخ سليمان بن عبد الله : إسناده صحيحٌ ( تيسير العزيز الحميد ص550) ، و قال إلطاف الرحمن في ( المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص766 ) : فيتبين مما سبق أن هذا الأثر المحكي عن ابن عباس لم يصح إليه طريق ما .
(6) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( 5 / 1633 ) برقم ( 8653 ) .
(1) تفسير البغوي ( 5 / 1633 ) .
(2) المواقف للإيجي ( 3 / 434 ) .
(3) طه : 122 .
(4) المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص 772 .
(5) فتح البيان ( 5 / 99 _ 103 ) نقلا عن المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص 772 .
(6) تفسير الطبري ( 9 / 146 ) .
(1) تفسير الطبري ( 9 / 148 ) .
(2) تفسير ابن كثير ( 2 / 286 ) .
(3) السلسلة الضعيفة ( 1 / 517 ) ح ( 342 ) .
(4) ميزان الاعتدال ( 1 / 527 ) برقم ( 1968 ) .
(5) النكت على ابن الصلاح ( 2 / 642 ) .
(6) ( 5 / 216 ) .
(7) نقلا عن المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص 778 ( الكامل لابن عدي (5/43) ، والفصل لابن حزم (4/4) وتفسير القرطبي (7/338) ، وميزان الاعتدال للذهبي (5/216) ، وروضة المحبين لابن القيم ص 248 ، وتفسير ابن كثير (2/286) ، وتحفة النبلاء من قصص الأنبياء لابن حجر ص 142 ، ومحاسن التأويل للقاسمي (7/317)= = وتعليق أحمد شاكر على تفسير الطبري (13/309_310) ، وأضواء البيان للشيقيطي (2/254) ، والسلسلة الضعيفة (1/516_517) ح (342) ، والقول المفيد للعثيمين (2/308_310) .
(1) أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب في تغيير الأسماء (4/287) ح (4950) ، و البيهقي في السنن الكبرى (9/306) برقم (19090) ، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/572_574) ح (904) بالشواهد والمتابعات .
(2) المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص 779 .
(3) البقرة : 31 .
(4) ذكر هذه الأوجه كلها في التفسير الكبير ( 15 / 70 _ 71 ) .
(1) المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص 781 ، و القول المفيد ( 2 / 309 ) .
(2) تقدم الكلام على إسناده ص 28 .
(3) هذه الأوجه في إبطال القصة ذكرها الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد ( 2 / 308 _ 310 ) .
(4) الفصل في الملل و النحل ( 4 / 4 ) .
(5) تقدم تخريجه ص 7 .
(1) سنن سعيد بن منصور ( 5 / 135 ) تحت أثر رقم ( 973 ) .
(2) تفسير الطبري ( 9 / 146 _ 148 ) .
(3) تفسير ابن كثير ( 2 / 286 ) .
(4) تحفة النبلاء من قصص الأنبياء ص 143 ، نقلاً عن المسائل العقدية المتعلقة بآدم ص 786 .
(5) أضواء البيان ( 2 / 46 _ 47 ) .
(6) الشرك في القديم و الحديث ( 1 / 231 ) .
(7) المؤمنون : 12 _ 13 .
(8) التبيان في أقسام القرآن ص 165 .
(9) تفسير ابن كثير ( 2 / 286 _ 287 ) .
(10) الإتقان للسيوطي ( 1 / 252 _ 253 ) .
(11) تفسير السعدي ص 274 _ 275 .
(1) الأعراف : 11 .
(2) أضواء البيان ( 2 / 46 _ 47 ) .
(3) آل عمران : 164 .
(4) أحكام القرآن لابن العربي ( 2 / 355 ) .
(5) القول المفيد ( 2 / 302 _ 310 ) .
(6) الكشاف ( 2 / 176 ) ، و انظر : التفسير الكبير ( 15 / 71 ) موقع الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها بالمملكة العربية السعودية
حديث: "لما حملت حوّاء طاف بها إبليس روايةً ودرايةً/أبصار الإسلام بن وقار الإسلام