هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الموقع الشخصي للكاتب المصري سيد مبارك ( بث مباشر للقنوات الإسلامية - مواقع إسلامية - مكتبة إسلامية شاملة - برامج أسلامية - القرأن الكريم وعلومه)
مؤلفات الشيخ سيد مبارك أطلبها من المكتبة المحمودية بالأزهر الشريف- مكتبة أولاد الشيخ بفيصل- مؤسسة قرطبة بالهرم...مؤلفات الشيخ سيد مبارك أطلبها من المكتبة المحمودية بالأزهر الشريف- مكتبة أولاد الشيخ بفيصل- مؤسسة قرطبة بالهرم
الطلاق وأحكامه وآدابه الطلاق وأحكامه وآدابه الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي
كاتب الموضوع
رسالة
الشيخ سيد Ù…Ø¨Ø§Ø صاحب الموقع
عدد الرسائل : 2210 العمر : 63 العمل/الترفيه : كاتب اسلامى تاريخ التسجيل : 07/12/2008
موضوع: الطلاق وأحكامه وآدابه الطلاق وأحكامه وآدابه الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي يونيو 3rd 2012, 10:10 pm
محاضرة
(الطلاق وأحكامه وآدابه)
ألقيت في جلاجل 4/6/1423هـ
• النكاحُ من نِعَمِ الله تعالى التي امتنَّ بها على عِبادِه ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21].
• والنكاحُ من أقوى الرَّوابط والعلاقات الاجتماعيَّة، سمَّاه الله تعالى مِيثاقًا غليظًا: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21]، قال القرطبي: الميثاق الغليظ فيه ثلاثة أقوال:
1- قِيلَ: هو قوله - عليه السلام - في خطبة الوداع: ((فاتَّقُوا الله في النِّساء فإنَّكم أخَذتموهنَّ بأمانةِ الله، واستَحلَلتُم فُروجهنَّ بكلمةِ الله))؛ أخرجه مسلم.
2- الثاني قوله - تعالى -: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].
3- الثالث عقدة النكاح قولُ الرجل: نكحت وملكت عقدةَ النكاح.
• وكما أنَّ لعقد النكاح أحكامًا وآدابًا فلفضِّ هذا العقد والميثاق أحكامًا وآدابًا.
• متى يقعُ الطلاق بين الأزواج؟
• غالبًا ما يكون الطلاق على إثر نشوب المشاكل بين الزوجين.
• للبيوت أسرارُها، وللعلاقات الزوجية سماتها، وفي حياة كلِّ زوجين أفراح وأتراح، فيومًا تطيبُ العشرة بين الزوجين فيصبحان وكأنهما أسعدُ زوجين ينعمان بعيشة هنيَّة وحياة زوجيَّة هانئة هادئة، ويومًا يحدثُ في البيت ما يعكرُ صفوَه ويكدرُ هناءَه؛ فتتباعد القلوب وتستوحش النفوس، ويضيق البيت على سعتِه بساكِنيه، وبين هذين اليومين أيامٌ وأيامٌ تكونُ شوبًا من المودَّة والبُغض، وخليطًا من الحب والكراهية، فيا ترى هل هناك بيتٌ يخلو من المشاكل والمنغِّصات بين الزوجين؟
• تعالوا بنا نُسائل زوجاته أمَّهات المؤمنين فنسمع منهن ما كان يقعُ في بيت محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - من بعض المكدِّرات والمشكلات، وكيف تعامَلَ معها هذا النبيُّ الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم - ولننظُر ولنُقارن بين ما قد نفعلُه نحنُ حيال ما يقعُ في بيوتِنا وبين ما فعلَه محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
• لو اكتشف أحدُنا أنَّ زوجته تشكُّ في بعض تصرُّفاته وربما تلصَّصت على أقواله أو أفعاله أو تبعتْ خُطواته هنا أو هناك، يدفعُها إلى ذلك الريبة وسوء الظن، ماذا سيصنعُ بها زوجها؟ وما موقفه من هذه الأنثى الضعيفة التي تجرحُ كبرياءَه بشكِّها، وتهدِّد قوامته برصدها ومُتابعتها؟ أيلطمُها ويسبُّها؟ أم يتفوَّه بطلاقها؟ أم يبادلُها الشكَّ والريبة ويضعُ تصرفاتها تحت مجهرَه وبين عينيه؟ ربما فعَل أحدُنا ذلك كله أو بعضه.
• ولكن دعونا نعرضُ ذلك على بيت محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهل وقعَ شيء من ذلك، وما الذي صنعَه أفضلُ الخلق - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ تحدثنا أمُّنا أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قائلةً: ألا أحدثُكم عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعنِّي؟ قالت: لمَّا كانت ليلتي التي كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيها عندي انقلبَ فوضَع رداءَه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسَط طرفَ إزارِه على فراشه فاضطجع، فلم يلبثْ إلا ريثما ظنَّ أنْ قد رقدت فأخذ رداءَه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب فخرج ثم أجافه - أي: أغلقه - رويدًا، فجعلت دِرعي في رأسي واختمرت وتقنَّعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيعَ فقام فأطالَ القيام ثم رفَع يديه ثلاث مرَّات ثم انحرَف فانحرفتُ، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت - أي: أسرعت أشدَّ من الهرولة - فسبقتُه فدخلت فليس إلا أنِ اضطجعت، فدخَل فقال: ((ما لك يا عائش؟ حشيا رابية - أي: ما لك ونفسك مرتفع من أثر الهرولة وأنت نائمة؟!)) قالت: قلت: لا شيء، قال: ((لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير)) قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال: ((فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟)) قلت: نعم، فلهدني في صَدري لهدةً أوجعتني، ثم قال: ((أظننت أنْ يحيفَ الله عليك ورسوله؟!)) قالت: مهما يكتمُ الناس يعلمه الله - ولم يكتفِ، صلَّى الله عليه وسلَّم، بهذا بل بيَّن لها السبب الذي دَعاه إلى ما صنَع بكلِّ أريحية وسعة صدر وفي آخِر الليل - قال: ((فإنَّ جبريل أتاني حينَ رأيتِ، فناداني فأخفاه منك، فأجبتُه فأخفيته منك، ولم يكن يدخُل عليك وقد وضعتِ ثيابك، وظننت أنْ قد رقدت فكرهت أنْ أوقظك وخشيت أنْ تستوحشي، فقال: إنَّ ربَّك يأمركَ أنْ تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم))؛ أخرجه مسلم في "صحيحه".
• وها هو عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - يحدثنا وهو والد إحدى زوجات النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّا علمه وسمعه وشاهَدَه، فيقول فيما أخرجه البخاري: كنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نغلبُ النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبُهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخُذنَ من أدبِ نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعَتْني فأنكرتُ أنْ تراجعني قالت: ولِمَ تنكر أنْ أراجعك فوالله إنَّ أزواج النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليُراجِعنَه، وإنَّ إحداهن لتهجُره اليومَ حتى الليل، فأفزعني ذلك وقلت لها: قد خاب مَن فعَل ذلك منهنَّ، ثم جمعت عليَّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة - زوج النبي، صلى الله عليه وسلم - فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، فقلت: قد خبتِ وخسرتِ، أفتَأمَنين أنْ يغضَبَ الله لغضبِ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتهلكي؟!
• وأخرج مسلمٌ في صحيحه عن أَنَسٍ قال: كان للنبي - رضِي الله عنه - تسعُ نسوةٍ، فكان إذا قسم بينهنَّ لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسعٍ، فكُنَّ يجتمعنَ كلَّ ليلةٍ في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة فجاءتْ زينب فمدَّ يده إليها فقالت: هذه زينب، فكفَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدَه فتقاوَلتا حتى استخبتا، وأُقيمت الصلاة فمرَّ أبو بكرٍ على ذلك، فسمع أصواتهما فقال: اخرُجْ يا رسول الله إلى الصلاة واحثُ في أفواههنَّ التراب، فخرج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت عائشة: الآن يقضي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاته فيجيء أبو بكرٍ فيفعل بي ويفعل، فلمَّا قضى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاته أتاها أبو بكرٍ فقال لها قولاً شديدًا وقال: أتصنعين هذا؟
• قال النووي معلقًا: وأمَّا قوله: "حتى استخبتا" فهو بخاء معجمة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم تاء مثناة فوقُ من السخب وهو اختلاط الأصواب وارتفاعها ويُقال أيضًا: صخب بالصاد... وفي هذا الحديث ما كان عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حُسن الخلق وملاطفة الجميع.
• وأخرج البخاري عن أنسٍ قال: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمَّهات المؤمنين بصحفةٍ فيها طعامٌ فضربت التي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلقَ الصحفة، ثم جعَل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: ((غارت أمُّكم)) ثم حبس الخادم حتى أُتِي بصحفةٍ من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت.
• فلنا في رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأسوةُ الحسنة بالصبر والتحمُّل والرفق بالزوجات.
• الطلاق حلٌّ شرعي يلجأُ إليه الزوجان عند استحالة العيش سويًّا، ولكنَّ الذي يجبُ العلم به والتنبه إليه أنَّ الطلاق ليس أوَّل خطوةٍ في علاج المشاكل الزوجيَّة.
• فالله تعالى يقولُ: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 34، 35]، فهاتان الآيتان تُشِيران إلى قوامة الرجل وأنَّه حاكم البيت وقائده؛ إذ لا بُدَّ لكلِّ تجمُّعٍ من قائدٍ يسوسُه ويحوطُه وينطقُ باسمه، وقد استحقَّ الرجال هذه الصفة لما ميَّزهم الله تعالى من القُدرة البدنيَّة والنفسيَّة والماليَّة، ودور المرأة حفظ نفسها ومراعاة منزلها وصون حرماته، قال القرطبي في تفسير الآية: "وقوَّام فعَّال للمبالغة من القيام على الشيء فيه وحفظه بالاجتهاد، فقِيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أنْ يقومَ بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتِها ومنعها من البروز، وأنَّ عليها طاعتَه وقبولَ أمرِه ما لم تكن معصية".
ومتى خِيفَ من المرأة النشوزُ والنفورُ من زوجها أو ظهرت معالمه، فأوَّل علاج هو:
1) الوعظ والتذكير بحقِّ الزوج؛ قال القرطبي: "قوله - تعالى -: ﴿ فعظوهن ﴾؛ أي: بكتاب الله؛ أي: ذكِّروهنَّ ما أوجَبَ الله عليهنَّ من حُسن الصحبة وجميل العِشرة للزوج والاعتِراف بالدرجة التي له عليها"، ا.هـ.
وممَّا ورد في بَيان عظمِ حقِّ الزوج ما أخرَجَه الإمام أحمد - رحمه الله - عن الحصين بن محصن أنَّ عمَّةً له أتت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حاجةٍ ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أذات زوج أنت؟)) قالت: نعم، قال: ((كيف أنت له؟)) قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظُري أين أنت منه، فإنما هو جنَّتك ونارُك)).
• كما تُذكَّر الزوجة الناشز بخطورة الشقاق وأثره السيِّئ على الزوجين والأولاد، فإنْ لم يجدْ معها هذا العِلاج المبدئي استعمل الزوج علاجًا ثانيًا.
2) وهو الهجر في الفِراش عند النوم، ذكر الطبري: "عن الحسن قال: لا يهجرها إلا في المبيت في المضجع ليس له أنْ يهجر في كلامٍ ولا شيء إلا بالحق"، فإنْ لم ينفعْ هذا الأسلوب معها لجأ الزوج إلى...
3) الضرب الخفيف غير المبرح، فليس ضربَ تَشَفٍّ أو حقدٍ أو تصفية حسابات، بل هو ضربٌ لطيفٌ يُشعِرُ بشيءٍ من القسوة والجديَّة في الموضوع، وليس المقصود منه الإيلام، ومع ذلك فإنَّ للضرب نطاقًا ضيقًا لا ينبغي تجاوزه؛ فقد أخرَجَ أبو داود 1834 عن إياس بن عبدالله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تضرِبُوا إماءَ الله))، فجاءَ عمرُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ذَئِرن النساء على أزواجهن - أي: نشزن - فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نساء كثير يشكون أزواجهنَّ، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لقد طافَ بآل محمد نساءٌ كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم)).
• قال القرطبي: "قوله - تعالى -: ﴿ واضربوهن ﴾ أمَر الله أنْ يبدأ النساء بالموعظة أولاً ثم بالهجران، فإنْ لم ينجعا فالضرب؛ فإنَّه هو الذي يصلحها له ويحملُها على توفية حقِّه، والضرب في هذه الآية هو الضرب غير المبرح، وهو الذي لا يكسرُ عظمًا، ولا يشينُ جارحة؛ كاللكزة ونحوها، فإنَّ المقصود منه الصلاح".
• قال القرطبي: "قوله - تعالى -: ﴿ فإن أطعنكم ﴾؛ أي: تركوا النشوزَ ﴿ فلا تبغوا عليهن سبيلاً ﴾؛ أي: لا تجنُوا عليهنَّ بقولٍ أو فعلٍ، وهذا نهيٌ عن ظُلمهنَّ بعدَ تقريرِ الفضل عليهنَّ والتَّمكين من أدبهنَّ، وقيل: المعنى: لا تكلفوهن الحبَّ لكم، فإنَّه ليس إليهن".
• فإذا استعمَل الزوج هذه الأساليب في العلاج ولم يجد شيئًا.
• جاء دور التدخُّل الخارجي هنا، أمَّا الأساليب الثلاثة الماضية فهي تتمُّ داخل بيت الزوجيَّة، وبين الزوجين وحدهما دُون تدخُّل طرفٍ آخر، لا والدي الزوجين ولا قريباتهما.
4) والتدخُّل الخارجي يتمثل في اختيار حكمين صالحين قريبين من الزوجين، يهمُّهما الإصلاح بينهما، وتلمُّس سبب النِّزاع والشقاق، وبذل الجهد في ذلك، وفي ذلك يقولُ سبحانه: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].
5) والصُّلح بين الزوجين مُرغَّب فيه شرعًا، فلأحدهما أنْ يقدم مالاً أو يتنازَل عن بعض حُقوقِه في سبيل المحافظة على رباط الزوجيَّة، وفي ذلك يقولُ سبحانه: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]، ويقول:﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129].
• قال ابن العربي: "الله - عزَّ وجلَّ - أَذِنَ في نشوز الزوج بأنْ يصطلحَا، وأَذِنَ في نشوز المرأة بالضرب، وأَذِنَ في خوفهما ألا يقيما حدودَ الله بالخلع".
• ومتى استحكَمَ النِّزاع والخلاف، وانسدَّ باب الإصلاح، وتعذَّر الوفاق - يأتي العلاج الأخير لهذه المعضلة وهو:
6) الطلاق والفراق، فهو علاجٌ ناجع، ولكنْ يسبقه مراحل علاجيَّة وجرعات متفاوتة، ومتى وقَع الطلاق بهذه الطريقة كان الزوجان حرَّيْن بأنْ يتحقَّق لهما الوعدُ الكريم؛ ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]، فأرزاق الله مُتوافرة ونعمُه متواصلة، وهو سبحانه قادرٌ على أنْ يُيسِّرَ للزوج المطلِّق زوجًا أخرى يأنسُ بها ويرتاح لعشرتها، كما أنَّه سبحانه قادرٌ على أنْ يرزق المطلَّقة زوجًا كريمًا يحفظُها ويوفرُ لها عيشةً كريمة تُنسيها ما سبق من العلاقة المتعثِّرة، والله تعالى حكيمٌ بعباده، عليمٌ بما يصلحهم، وفي التزام ما شرَعَه الخيرُ والفلاحُ للجميع، فلله الحمدُ أولاً وآخرًا.
• ما أشدَّ حاجة الأزواج الذين يُعانون من زوجاتهم إلى معرفة العلاج الشرعي للنُّشوز والشقاق بين الزوجين! والحاجَّة ماسَّة للتقيد بما شرعَه الله تعالى؛ لما في ذلك من حفظ المودَّة وردِّ الجميل، والرِّفق بالأولاد، فحين يتمُّ الطلاق بعد استنفاد تلك الوسائل العلاجيَّة، يكون قد اتخذ قَراره بهدوء وتَرَوٍّ، أمَّا إذا كان الطلاق لأدنى مشكلةٍ وأدنى تقصيرٍ، فهنا الطامَّة، فنعجبُ إنْ سمعنا خبرَ زوجٍ طلَّق زوجته بسبب وجبةٍ أو عنادٍ في أمرٍ حقير.
• أيها الأحبَّة، للطلاق أحكامٌ شرعيَّة، وآدابٌ لا بُدَّ من مُراعاتها، تمسُّ الحاجة إلى معرفتها والتقيُّد بها، ومتى غفل الناس عنها فقَدُوا ما في تشريع الطلاق من الحكمة والرحمة بالزوجين والأسرة والمجتمع قاطبة.
• مَن عزم على الطلاق وأراد فراق زوجته فليعلمْ أنَّ هناك أحكامًا شرعيَّة وحدودًا مرعيَّة لا بُدَّ من معرفتها:
1) فالأمر الأوَّل أنَّ للطلاق صفة شرعيَّة مُعتَبرة، وما عداها فهو طلاقٌ بدعي يأثمُ صاحبه.
• فطلاق السُّنَّة ما أخبر به النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه البخاري عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه طلَّق امرأته وهي حائضٌ على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأل عمر بن الخطاب رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ذلك فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((مُرْهُ فليُراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إنْ شاء أمسك بعدُ وإنْ شاء طلَّق قبلْ أن يمسَّ، فتلك العدة التي أمَر الله أنْ تُطلَّق لها النساء)).
وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: طلاق السُّنَّة أنْ يُطلِّقها طاهرًا في غير جماعٍ؛ أخرجه النسائي.
• فطلاق السُّنَّة أنْ يُطلِّق الزوج زوجتَه في حال طهرٍ لم يُجامِعْها فيه، أو تكون حاملاً وتبيَّن حملُها، ويكون الطلاق بطلقةٍ واحدة فقط، أمَّا إذا كان الطلاق على عوضٍ فمباحٌ مطلقًا.
• مَن منَّا يرضى أنْ يأتي أمرًا يغضبُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ أخرج النسائيُّ عن محمود بن لبيد - رضي الله عنه - قال: أُخبِرَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن رجل طلق امرأته ثلاثَ تطليقات جميعًا، فقام غضبان ثم قال: ((أيلعبُ بكتاب الله وأنا بين أظهُركم)) حتى قام رجل وقال: يا رسول الله، ألا أقتله؟
• وعند مسلم 2678 حين سُئِل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رجلٍ طلق زوجته وهي حائضٌ فقال: وأمَّا أنت طلَّقتها ثلاثًا، فقد عصيت ربَّك فيما أمرَكَ به من طلاق امرأتك وبانت منك.
• وعند أبي داود 1878 عن مجاهدٍ قال: كنتُ عند ابن عباس فجاءَه رجلٌ فقال: إنَّه طلَّق امرأته ثلاثًا، قال: فسكت حتى ظننت أنَّه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة! ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، وإنَّ الله قال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، وإنَّك لم تتَّقِ الله فلم أجدْ لك مخرجًا، عصيت ربك وبانت منك امرأتُك، وإنَّ الله قال:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، في قبل عدَّتهن.
• فانظُر يا عبدالله إلى ما أمرَكَ الله تعالى به من الطلاق في الوقت المُعتَبر وبالعَدَدِ المعتبر وهو الواحدة فقط، فمَن خالَف في ذلك أَثِمَ ووقَع الطلاق عند جمهور العلماء.
• ولو تأمَّلنا في هذا الوقت المُعتَبر للطلاق وهو أنْ تكون المرأة في حال طهرٍ لم تجامعْ فيه لبانَتْ لنا حكمةٌ عظيمةٌ يرعاها الشرع ويحضُّ عليها، وهي التأنِّي في إيقاع الطلاق، فلا يكون قَرارًا مُرتجلاً يقدمُ عليه الزوج لأدنى سببٍ وإن كان تافهًا، بل يكونُ قرارًا قد اتُّخِذَ على هدوءٍ وفي حال تَرَوٍّ وتفكُّر، وتكون نفس الزوج قد طابت من زوجته، وعزمت على الفراق بدليل عدم قُربانها في حال طهرٍ كامل.
• ولو راعَى الأزواج هذه الحكمةَ والتزموا بما شرَع الله لقلَّ المطلِّقون الذين نراهُم ونسمعُهم يطرقون أبوابَ العلماء ويستفتُون هذا وذاك يسألونهم عن طلاقٍ بدعي وقَع بالثلاث أو في حال غضب أو في حال حيض، وكلُّهم نادمٌ على ما حصَل، ويسألُ العودة.
2) والأمر الثاني الذي يجبُ العلم به: أنَّ الطلاق إذا وقع بطلقةٍ واحدة وهو المطلوب فإنَّ الزوجة تعتدُّ حسَب حالها، وللزوج مُراجعتها ما دامت في عدَّتها، والرَّجعة تحصل بالقول وبالفعل، فيبقى مع الزوج وقتٌ آخَر للتروِّي والنظَر، وإمكان المراجعة في ذلك القَرار المتَّخذ، وهو وقتٌ ليس بالقليل، لعلَّ الزوج أنْ يُراجع نفسه ويتذكَّر عِشرته مع زوجِه التي طلَّقها، وعساه أنْ يتصور مُعاناة أولاده وصِغاره من جرَّاء هذا الطلاق.
3) يجبُ إعلامُ الزوجة بطَلاقها لتعتدَّ العدَّة الشرعيَّة التي ينبني عليها أحكامٌ كثيرة.
4) وثالثُ هذه الأحكام أنْ نعلم أنَّ المطلقة تعتدُّ في بيت زوجها ولا يجوزُ إخراجُها منه، استمعوا إلى هذه الآية الكريمة واعتَبِروا بما فيها من الحكمة والرحمة بالزوجين والشَّفقة بهما، وتأمَّلوا ما فيها من النهي عن تعدِّي حُدود الله ولا سيَّما في الطلاق:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
• يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية: عن ابن عباسٍ في قوله - تعالى -: ﴿ فطلقوهن لعدتهن ﴾ قال: لا يُطلِّقها وهي حائضٌ، ولا في طهرٍ قد جامَعَها فيه، ولكنْ يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلَّقَها تطليقةً، وقوله - تعالى -: ﴿ لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ﴾؛ أي: في مدَّة العدة لها حقُّ السكنى على الزوج ما دامت معتدَّةً منه، فليس للرجل أنْ يُخرجها، ولا يجوزُ لها أيضًا الخروجُ...
إلى أنْ قال - رحمه الله -: وقوله - تعالى -: ﴿ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ﴾؛ أي: إنما أبقَيْنا المطلَّقة في منزل الزوج في مدَّة العدَّة؛ لعلَّ الزوج يندمُ على طَلاقها ويخلق الله في قلبه رجعتَها، فيكون ذلك أيسر وأسهل.. ﴿ فإذا بلغن أجلهن ﴾؛ أي: قاربت العدَّة على الانقضاء ﴿ فأمسكوهن بمعروف ﴾؛ أي: بحسن صحبة ﴿ أو فارقوهن بمعروف ﴾؛ أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف، بل يُطلِّقها على وجهٍ جميلٍ وسبيل حسن، انتهى كلامه - رحمه الله.
• أمَّا في حال الطلاق الثلاث فلا تبقَى المطلَّقة في بيت زوجها؛ لكونها لا تحل له إلا بعد زوجٍ؛ أخرج النسائي عن فاطمة بنت قيس قالت: أتيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – فقلت: أنا بنت آل خالد، وإنَّ زوجي فلانًا أرسل إليَّ بطلاقي، وإنِّي سألت أهله النفقة والسُّكنى فأبوا عليَّ، فقالوا: يا رسول الله، إنَّه قد أرسل إليها بثلاث تطليقات، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما النفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة)).
• فائدة: قال النووي في الشرح 10/ 61 - 62: وفي قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن شاء أمسك، وإنْ شاء طلَّق)) دليلٌ على أنَّه لا إثم في الطلاق بغير سببٍ، لكن يُكره؛ للحديث المشهور في "سنن أبي داود" وغيره ((أبغضُ الحلال إلى الله الطلاق))، فيكونُ حديث ابن عمر لبَيان أنَّه ليس بحرامٍ، وهذا الحديث لبَيان كَراهةِ التَّنزيه، قال أصحابنا: الطلاق أربعةُ أقسامٍ: حرام، ومكروه، وواجب، ومندوب، ولا يكون مباحًا مستوي الطرفين، فأمَّا الواجب ففي صُورتين وهما في الحكمين إذا بعثَهُما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ورأَيَا المصلحةَ في الطلاق وجَب عليهما الطلاق، وفي المولي إذا مَضَتْ عليه أربعةُ أشهر، وطالبت المرأة بحقِّها.. وأمَّا المكروه فأنْ يكون الحال بينهما مستقيمًا فيُطلِّق بلا سببٍ، وعليه يحملُ حديثُ: ((أبغضُ الحلال إلى الله الطلاقُ))، وأمَّا الحرام ففي ثلاث صور: أحدها في الحيض بلا عِوَضٍ منها ولا سُؤالها، والثاني في طُهرٍ جامَعَها فيه قبل بيان الحمل، والثالث إذا كان عنده زوجات يقسمُ لهنَّ وطلَّق واحدة قبل أنْ يوفيها قسمها، وأمَّا المندوب فهو ألا تكون المرأة عفيفةً أو يخافَا أو أحدهما ألا يُقيما حُدود الله، أو نحو ذلك، والله أعلم.
• أخرج الترمذيُّ وغيره: عن ثوبان أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أيُّما امرأة سألتْ زوجَها طلاقًا من غير بأسٍ فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة))، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
نسألُ الله تعالى الفقهَ في الدِّين، والحسنَ في الخلق والمعاشرة، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
موفع الالوكة
الطلاق وأحكامه وآدابه الطلاق وأحكامه وآدابه الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي