الشيخ سيد Ù…Ø¨Ø§Ø صاحب الموقع
عدد الرسائل : 2210 العمر : 63 العمل/الترفيه : كاتب اسلامى تاريخ التسجيل : 07/12/2008
| موضوع: الهاربون من العدالة بقلم : د/ محمد جميل غازي أبريل 25th 2012, 10:32 pm | |
|
الهاربون من العدالة بقلم : د/ محمد جميل غازي ------------------------
قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا 105 وَاسْتَغْفِرِ اللَّه إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 106 وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا 107 يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا 108 هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا. وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 111 وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا. وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا 113 لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍأَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا 114 وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
* * *
* إنني أهدي هذه " الوثيقة" إلى العالم كله... بكل نظمه... ومنظماته.. ومبادئه.. وأفكاره.. وتراثه.. وأمجاده.. وأممه.. وشعوبه.. ! إنها " واقعة" واحدة من وقائع " القرآن الكريم".. ! وإنها " حادثة" واحدة من حوادث " السيرة العطرة".. ! والحادث الذي تدور حوله هذه الآيات ليس حادثًا عابرا، وإنما هو حادث يحسن الوقوف عنده، ودراسته، وتأمله ! وهو " أمارة" على أن القرآن كتاب اللَّه وتشريعه، وأنه فوق ما تعارف عليه البشر من نظم وشرائع وقوانين ! إنه كتاب " رفع" أتباعه إلى القمة، و " دفعهم" إلى الأمام ! وتعاليم هذا الكتاب.. تأخذ بيد الإنسان و " ناصيته" إلى الحرية والكرامة، والرخاء، والسلام. إنه كتاب " العدالة" و " المساواة" و " الحب" ! إنه الكتاب الذي أقر " حقوق الإنسان" قولاً وعملاً، وحرره من الأنانية.. والكهنوت.. والاستعباد ! و " عدالة القرآن" عدالة تسمو عن الغرض والمرض والهوى ! هذا ما يقرره " النص" الذي بين أيدينا، أو إن شئت فقل: " الوثيقة" التي نصر على إهدائها للعالم كله " بأممه المتحدة " وغير المتحدة ! و " النص القرآني" يجند نفسه للدفاع عن.. يهودي ! و " اليهودي" معروف بموقفه الكنود الحسود الجبان.. من القرآن.. ومن رسول القرآن ! ومع هذا كله.. وبرغم هذا كله.. فإن القرآن يعلن موقفه الصريح إلى جوار الحق.. ولو كان ذلك الحق في يد يهودي ! كذلك فإن القرآن يصر على مواجهة " الباطل" ومقاومته.. ولو تستر في ظلاله.. أو لجأ إليه ! وإليك القصة كما رواها نقلة الدين، وأمناء السنة، ورواة السيرة: * روى أبو عيسى الترمذي في " جامعه" في كتاب التفسير، عن قتادة بن النعمان رضي اللَّهُ عنه، قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق، بشر، وبشير، ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم ينحله إلى بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا، فإذا سمع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر، قالوا: واللَّه ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث- فقال:
أو كلما قال الرجال قصيدة غضبوا، وقالوا: ابن الابيرق قالها
قال: وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام. وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة: التمر والشعير. وكان الرجل إذا كان له يسار، فقدمت ضافطة من الشام بالدرمك ( الضافطة: كانوا قومًا من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما، ثم قالوا للذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن، والمكارى الذي يكرى للأحمال: الضافطة والضفاط. والدرمك: الدقيق النقي الحواري ) ابتاع الرجل منها فخص به نفسه، فأما العيال، فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له ( المشربة- بفتح الميم وسكون الشين وفتح الراء أو ضمها- هي الغرفة أو العلية، أو الصفة بين يدي الغرفة، والمشارب: العلالى ) وفي المشربة سلاح له: درعان وسيفاهما وما يصلحهما. فعدى عليه من تحت الليل، فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي ! تعلم أنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا، فذهب بسلاحنا وطعامنا. قال: فتحسست في الدار ( الدار هنا: المحلة التي تنزلها القبيلة أو البطن منها ) وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بنى أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو أبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار: واللَّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجلا منا له صلاح وإسلام، فلما سمع بذلك لبيد اخترط سيفه ( سلة من غمده ) ثم أتى بنى أبيرق، فقال: واللَّه ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن السرقة، فقالوا: إليك عنا أيها الرجل، فواللَّه ما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها !! فقال عمي: يا ابن أخي ! لو أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. قال قتادة. فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: يا رسول اللَّه ! إن أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : أنظر في ذلك. فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم، يقال له، أسير بن عروة فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا رسول اللَّه ! إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا، أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة في غير بينة ولا ثبت ( الثبت- بفتحتين- الحجة والبينة والبرهان ). قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكلمته، فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت؟ قال: فرجعت، ولوددت أنني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك. فأتيت عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - فقال: اللَّه المستعان. فلم نلبث أن نزل القر آن: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} يعني: بنى أبيرق: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 106 وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ} أي: بنى إبيرق: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا 107 يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} إلى قوله: {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} أي: إنهم إن يستغفروا اللَّه يغفر لهم: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 111 وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} قولهم للبيد {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ} يعني أسيرا وأصحابه {وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} إلى قوله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. فلما نزل القرآن: أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمى بالسلاح، وكان شيخا قد عسا ( أي: كبر وأسن ) في الجاهلية، وكنت أرى إيمانه مدخولا ( أي: مغشوشا ) فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي ! هو في سبيل اللَّه، قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحا. فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة ابنة سعد بن شهيد، فأنزل اللَّه فيه: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} إلى قوله: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}. فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح ( هو أبطح مكة أو بطحاؤها، وهو: مسيل واديها ) ثم قالت: أهديت إلى شعر حسان ما كنت تأتيني بخير ! * وأخرج ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمود بن لبيد، قال: عدا بشير بن الحارث على علية رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان فنقبها من ظهرها وأخذ طعاما له ودرعين بأداتهما، فأتى قتادة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فدعا بشيرا فسأله فأنكر، ورمى بذلك لبيد بن سهل، رجلا من أهل النار ذا حسب ونسب، فنزل القرآن بتكذيب بشير وبراءة لبيد. * وروى ابن جرير عن قتادة: " إن هؤلاء الآيات أنزلت في شأن طعمة بن أبيرق، وفيما هم به نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم من عذره وبين اللَّه شأن طعمة بن أبيرق، ووعظ نبيه وحذره أن يكون للخائنين خصيما، وكان طعمة بن أبيرق رجلا من الأنصار ثم أحد بنى ظفر، سرق درعا لعمه كان وديعة عنده، ثم قذفها على يهودي كان يغشاهم يقال له: زيد بن السمير، فجاء اليهودي إلى نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم يهتف، فلما رأى ذلك قومه بنو ظفر جاءوا إلى نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم ليعذروا صاحبهم، وكان نبي اللَّه عليه السلام قد هم بعذره حتى أنزل اللَّه في شأنه ما أنزل، فقال: {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ} الخ. وكان طعمة قذف بها بريئا فلما بين اللَّه شأن طعمة نافق،ولحق المشركين بمكة، فأنزل اللَّه فيه: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية". * وروى عن ابن زيد أن رجلا سرق درعا من حديد وطرحها على يهودي، فقال اليهودي: واللَّه ما سرقتها يا أبا القاسم ولكن طرحت على. وكان للرجل الذي سرق جيران يبرءونه ويطرحونه على اليهودي، ويقولون: يا رسول اللَّه: هذا اليهودي الخبيث يكفر باللَّه وبما جئت به !! قال: حتى مال النبي صلى الله عليه وسلم ببعض القول فعاتبه اللَّه عز وجل في ذلك، فقال: {إِنَّا أنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ} الآيات. ثم قال في الرجل: ويقال: هو طعمة بن أبيرق. * وروى عن السدى أنها نزلت في طعمة بن أبيرق استودعه رجل من اليهود درعا فخانه فيها، وأخفاها في دار أبي سليك الأنصاري، وأهان طعمة وأناس من قومه اليهودي لما جاء يطلب درعه، وجادلت الأنصار عن طعمة، وطلبوا من النبي أن يجادل عنه.. الخ. * يقول رشيد رضا ( تفسير المنار جـ 5 ص 392 ): ( وقد اختار أكثر المفسرين أن الخائن هو طعمة، وأن اليهودي هو الذي كان صاحب الحق ).
* * *
تعليقات: الأول : يدل قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} على أن القرآن الكريم كتاب دنيا ودين، كتاب حكم وعبادة، كتاب أخلاق ومعاملات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل ليبشر وينذر ويهدي ويحكم. الثاني : ويدل قوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} على أن الرسول لا يحكم بهواه، ولكن بما علمه اللَّه وأراه، وإنما أطلق اللَّه تعالى على ( التعليم ) ( رؤية ) لأن العلم اليقيني المبرأ عن الريب يكون جاريا مجرى الرؤية في القوة والظهور. الثالث : ليس لأحد- غير الرسول صلى الله عليه وسلم - أن يقول: حكمت بما أرانى اللَّه !! فقد روى ابن عبد البر والبيهقي في ( المدخل ) عن عمر رضي اللَّهُ عنه، قال: لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني اللَّه: فإن اللَّه لم يجعل ذلك إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليجتهد رأيه لأن الرأي من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان مصيبا، لأن اللَّه كان يريه إياه، وهو منا الظن والتكلف ! الرابع : قول اللَّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا}، {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ}، وقوله للذين جادلوا عن طعمة بن أبيرق: {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} فيه توجيه ( للمحامين ) الذين يتصدون للدفاع عن المتهمين !! إن عليهم أن يتأكدوا من ( براءة ) من يدافعون عنه.. حتى لا يكون دفاعهم سببا في إدانة برئ، وبراءة مسئ ! الخامس : وترشدنا الآيات إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، وأنه لا يعلم الغيب إلا في حدود تعليم اللَّه له- ثبت في الصحيحين عن أم سلمة رضي اللَّهُ عنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: ألا إنما أنا بشر، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليحملها، أو ليذرها. ورواه الإمام أحمد عنها- أيضا- بلفظ: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما درست ليس بينهما بينة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فإني أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار بها أسطاما ( الأسطام: الحديدة التي تحرك بها النار وتسعر ) في عنقه يوم القيامة. فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : أما إذ قلتما، فاذهبا، واقتسما، ثم توخيا الحق بينكما، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه". السادس : دعا اللَّه سبحانه وتعالى طعمة بن أبيرق إلى التوبة والاستغفار، ولكنه أبى، يقول اللَّه تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}. فكانت عاقبة أمره خسرا، يقول اللَّه تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}. وهكذا كل من آثر الإصرار، ورفض الاستغفار. السابع : قررت الآيات " قواعد الجزاء في الإسلام" على هذا النحو: * فتح باب التوبة لكل مسئ أو ظالم: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
* إلزام كل إنسان بنتائج عمله: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}. * تضاعف التبعة على من يرتكب إثما ثم يرمى به بريئا: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
* * *
وبعد: فإنني أضع هذه " الوثيقة القرآنية" بين يدي العالم الظمآن إلى المعرفة والخير والرشاد.. التائه في خضم المبادئ والمذاهب والفلسفات.. إنني أقول للعالم كله " بأممه المتحدة" وغير المتحدة.. 69: 19 {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ}.
محمد جميل غازي المصدر مجلة التوحيد | |
|