الحمد لله المتعزِّز فى
عليائه ، المتوحِّد فى عظمته وكبريائه ، النافذ أمرُه فى أرضه وسمائه ،
حمداً يكافئ المزيد من أفضاله ونعمائه ، ويكون ذخراً لقائله عند ربه يوم
لقائه . والصلاة والسلام الدائمان على المصطفى من رسل الله وأنبيائه ،
ورضى الله عن آله وصحبه وأصفيائه .
وبعد ..
فلا يخفى علينا انتشار بدعة (السبحة) في هذه الأيام بين الناس، لاسيما
العوام منهم، وذلك باجتهاد من أهل الطرق الصوفية في نشرها والترويج لها
ووضع الأحاديث في فضلها وغير ذلك، فرأيت أسهاماً مني جمع ما قاله الشيخ
العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) في هذه
الأحاديث، مع فوائد ودرر من كلامه رحمه الله، وأنبه هنا على أنني لم أذكر
كلام الشيخ كما هو بل كان الترتيب والتنسيق لي، كما أنني اختصرت بعض كلام
الشيخ، وما وضعته بين [ ] معقوفتان فهو لي، انتهى ما لزم التنبيه عليه،
فأقول وبالله استعين:
قال الشيخ الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (1/184):
83- ( نعم المذكر السبحة، وإن أفضل ما يسجدُ عليه الأرض، وما أنبتته الأرض).
موضوع. أخرجه الديلمي في ((مسند الفردوس)) (4/98- مختصره) [من طريق] محمد
بن هارون بن عيسى بن منصور الهاشمي: حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي:
حدثني عبد الصمد بن موسى: حدثتني زينب بنت سليمان بن علي: حدثتني أم الحسن
بنت جعفر بن الحسن عن أبيها عن جدها عن علي مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناده ظلمات بعضها فوق بعض، حل رواته مجهولون، بل بعضهم متهم:
أم الحسن بنت جعفر بن الحسن، لم أجد مَن ترجمها.
وزينب بنت سليمان بن علي ترجمها الخطيب في ((تاريخه)) (14/334)، وقال: ((كانت من فضائل النساء)).
وعبد الصمد بن موسى، هو الهاشمي، ترجمه الخطيب (14/41)، ولم يذكر فيه
جرحاً ولا تعديلاً، ولكن نقل الذهبي في ((الميزان)) عن الخطيب أنه قال
فيه: ((قد ضعفوه)).
ثم قال الذهبي:
((يروي مناكير عن جده محمد بن إبراهيم الإمام)).
قلت: فلعله هو آفة الحديث.
ومحمد بن علي بن حمزة العلوي ترجمه الخطيب أيضاً (3/63)، وقال: ((قال ابن أبي حاتم: سمعت منه وهو صدوق، مات سنة 286)).
ومحمد بن هارون هو محمد بن هارون بن العباس بن أبي جعفر المنصور، كذلك أورده الخطيب (3/356)، وقال:
(( كان من أهل الستر والفضل والخطابة، وولي إمامة مسجد المدينة بغداد خمسين سنة، وكانت وفاته سنة 308)).
[ قلت استدرك الشيخ على نفسه في هارون بن محمد هذا وأنه وضاع ].
قال الشيخ (1/187) : ثم تبين لي فيما بعد أن السند أشد ضعفاً مما ذكرنا،
وأن آفته محمد بن هارون ابن عيسى بن المنصور الهاشمي، فإنه كان يضع الحديث
كما يأتي، وقولي أولاً: ((هو محمد بن هارون بن العباس...إلخ)) وهم، سببه
أنني ذهلت عن الترجمة التي بعد ابن العباس هذا في ((تاريخ الخطيب))، فقد
قال:
((محمد بن هارون بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، يكنى:
أبا الحسن، ويُعرف بـ ( ابن بُريه ) ...وفي حديثه مناكير كثيرة، وقال
الدارقطني: لا شيء)).
وقال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) :
((يضع الحديث)).
ثم ساق له حديثاً، ثم قال:
((هذا من موضوعاته)).
وكذلك اتهمه الخطيب، فقال عقب الحديث المشار إليه (7/403):
((والهاشمي يعرف بابن بُريه، ذاهب الحديث، يتهم بالوضع)).
وإنَّما جزمتُ بأن هذا هو رواي الحديث؛ لأن السند فيه أنه محمد بن هارون
ابن عيسى، وليس فيه أنه محمد بن هارون بن العباس، فهما شخصان اتفقا في
اسمهما واسم أبيهما، واختلفا في اسم جدهما، فالأول اسم جده: عيسى، والآخر
اسم جده: العباس، وهذا مستور، والأول متهم كما عرفت، فانحصرت شبهة وضع
الحديث فيه، وبرئت عبدالصمد بن موسى منه على ضعفه وروايته المناكير.
[ ثم قال الشيخ في (1/185) : ]
ومما سبق يتبين لك أن الإسناد ضعيف، لا تقوم به حجة.
ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور:
الأول: أن السبحة بدعة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إنما
حدثت بعده صلى الله عليه وسلم، فكيف يعقل أن يخض عليه الصلاة والسلام
أصحابه على أمر لا يعرفونه ؟!
[ قلت: وقد علق الشيخ تعليق نفيس على هذا الكلام في الحاشية فقال:]
ويؤيد ذلك قول علماء أهل اللغة:
((إن لفظة: ( السبحة ) مولده، لا تعرفها العرب)).
انظر (ص13) ( أي من كتاب الشيخ هذا ) من الرد على الحبشي.
الثاني : أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمرو:
((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعقد التسبيح بيمينه)).
رواه أبو داود (1/235)، والترمذي (4/255) وحسنه، وابن حبان (2334-
موارد)،... وإسناده صحيح كما قال الذهبي، ثم خرجته في ((صحيح أبي داود))
(1346).
ثم هو مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم، حيث قال لبعض النسوة:
((عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد ( وفي رواية: الرحمة)، واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات ومستنطقات)).
وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود وغيره، وصححه الحاكم والذهبي، وحسنه النووي
والعسقلاني كما في ((أمالي الأذكار)) (1/84)، وله شاهد عن عائشة موقوف،
انظر ((صحيح أبي داود)) (1345).
[ تضعيف أهل العلم لهذا الحديث ]
ولذلك ضعف الحديثّ جماعة؛ كما ذكره الشيخ محمد خليل القاوقجي في ((شوارق الأنوار الجليلة)) ( ق113/1).
[ الأحاديث التي وردت في التسبيح بالحصى، والتي استدلَ بها على جواز التسبيح بالسبحة ].
[ قال الشيخ الألباني مواصلاً: ] فإن قيل: قد جاء في بعض الأحاديث التسبيح
بالحصى، وأنه صلى الله عليه وسلم أقره، فلا فرق حينئد بينه وبين التسبيح
بالسبحة كما قال الشوكاني ؟
قلت: وهذا قد يسلم لو أن الأحاديث في ذلك صحيحة، وليس كذلك، فغاية ما رُوي
في ذلك حديثان أوردهما السيوطي في رسالته المشار إليها، فلا بد من ذكرهما،
وبيان علتهما:
الأول: عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة، وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال:
((أخبركِ بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ؟)).
فقال:
((سبحان الله عدد ما خلق في السماء....)) الحديث.
رواه أبوداود (1/235)، والترمذي (4/277-278)، وابن حبان(2330- زوائده)،
والدورقي في ((مسند سعد)) (130/1)، والمخلص في ((الفوائد)) (9/17/2)،
والحاكم (1/477-548) من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن
خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها. وقال الترمذي:
((حديث حسن)).
وقال الحاكم :
((صحيح الإسناد)).
ووافقه الذهبي، فأخطأ؛ لأن خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في ((الميزان)):
((خزيمة؛ لا يُعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال)).
وكذا قال الحافظ في ((التقريب)):
((إنه لا يُعرف)).
وسعيد بن أبي هلال مع ثقته؛ حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه
بالاختلاط يحيى كما في ((الفصل)) لابن حزم (2/95)، ولعله مما يؤيد ذلك
روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده
خزيمة، فصار الإسناد منقطعاً، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد
في شيوخ ابن أبي هلال، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع،
فأنى للحديث الصحة أو الحسن ؟!
[ فائدة ]
وجهل ذلك أو تجاهله بعض من ألف في سنية السبحة ! من أهل الأهواء من
المعاصرين، مقلداً في ذلك شيخه عبد الله الغماري الذي تجاهل هذه الحقائق،
فأورد هذا الحديث في ((كنزه)) (103)؛ ليتوصل منه إلى تجويز السبحة لمريديه
! ثم إلى تجويز تعليقها على العنق كما يفعل بعض مشايخ الطرق [ ؟!! ].
الآخر: عن صفية قالت:
((دخل عليِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن،...)) الحديث.
أخرجه الترمذي (4/274)، وأبو بكر الشافعي في ((الفوائد)) (73/255/1)، والحاكم (1/547) من طريق هاشم بن سعيد عن كنانة مولى صفية عنها.
وضعفه الترمذي بقوله:
((هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس))...
[و] هاشم بن سعيد هذا أورده...[ الذهبي ] في ((الميزان))، وقال:
((قال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن عدي: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه)).
ولهذا قال الحافظ في التقريب : ((ضعيف))....
ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى، ولفظه؛ قال:
عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح،
وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال
التي فارقتك عليها ؟ قالت: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزِنت بما قلت منذ اليوم
لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد
كلماته)).
أخرجه مسلم (8/83-84)...
فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين:
الأول: أن صاحبة القصة هي جُويرية، لا صفية كما في الحديث الثاني !
الآخر: أن ذكر الحصى في القصة منكر، ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون بالحصى، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق
أحدها [ تم حذفه لشهرته] ، ولو كان ذلك مما أقرَّه صلى الله عليه وسلم لما
خفي على ابن مسعود إن شاء الله، وقد تلقَّي هذا الإنكار منه بعض من تخرَّج
من مدرسته، ألا وهو إبراهيم النخعي الفقيه الكوفي ، فكان ينهى ابنته أت
تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يُسبح بها !
رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/89/2) بسند جيد.
[ آثر آخر في السبحة ]
[وهو]...ما وراه ابن أبي شيبة (2/391) عن وِقاء عن سعيد بن جبير قال : رأى
عمر بن الخطاب رجلاً يسبح بتسابيح معه، فقال عمر: إنما يجزيه من ذلك أن
يقول: سبحان الله...إلخ، فهو منكر لوجوه، منها الانقطاع بينه وبين سعيد،
وضعف ورِقاء، وهو ابن إياس، وهو لين الحديث.
[ حديث آخر وقف عليه الشيخ في جواز السبحة وبيان ضعفه ووهائها ]
[ قال الشيخ في الضعيفة (3/47) حديث :]
1002- ( كان يسبح بالحصى ).
موضوع. رواه أبو القاسم الجرجاني في ((تاريخ جرجان)) (68) من طريق صالح
ابن علي النوفلي: حدّثنا عبدالله بن محمد بن ربيعة القدامي: حدّثنا ابن
المبارك عن سفيان الثوري عن سُمَيّ عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته القدامي – نسبة إلى قُدامة بن مظعون – وهو متّهم. قال الذهبي في ((الميزان)) :
((أحد الضعفاء، أتى عن مالك بمصائب)).
ثم ذكر بعض مصائبه !
وفي ((اللسان)):
((ضعفه ابن عدي والدارقطني.
وقال ابن حبّان:
((يقلب الأخبار، لعله قلب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثاً، وروى عن
إبراهيم بن سعد نسخة أكثرها مقلوب)). وقال الحاكم والنقاش: روى عن مالك
أحاديث موضوعة. وقال أبونعيم: روى المناكير)).
قلت: وصالح بن علي النوفلي لم أجد من ترجمه.
[ إشكال وجواب عليه].
[ قال الشيخ الألباني في((الضعيفة)) (1/192-193):]
قد يقول قائل: إن العدّّ بالأصابع كما ورد في السنة لا يمكن أن يُضبط به العدد إذا كان كثيراً.
فالجواب: إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى، وهي ذكر الله في عدد محصور
كثير، لم يأت به الشارع الحكيم، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى، وهي السبحة!
فإن أكثر ما جاء من العدد في السنة الصحيحة فيما ثبت لدي إنما هو مئة،
وهذا يمكن ضبطه بالأصابع بسهولة لمن كان ذلك عادته.
وأما حديث: ((من قال في يوم مئتي مرة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك
له...)) الحديث، فالمراد: مئة إذا أصبح، ومئة إذا أمسى؛ كما جاء مصرحاً به
في بعض الروايات الثابتة....
[ سيئة بدعة السبحة، وتفنن الناس فيها]
[قال الشيخ الألباني في ((الضعيفة)) (1/192-193):]
ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة، وهي أنها قضت على سنة العدد
بالأصابع، أو كادت، مع اتفاقهم على أنها أفضل؛ لكفى! فإني قلما أرى شيخاً
يعقد التسبيح بالأنامل!
ثم إن الناس قد تفنَّنوا في الإبتداع بهذه البدعة، فترى بعض المنتمين
لإحدى الطرق [الصوفية] يطوق عنقه بالسبحة! وبعضهم يعدُّ بها وهو يحدثك أو
يستمع لحديثك! وآخِرُ ما وقعت عيني عليه من ذلك منذ أيام أنني رأيت رجلاً
على دراجة عادية، يسير في بعض الطرق المزدحمة بالناس، وفي إحدى يديه
سبحة!! يتظاهرون للناس بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين! وكثيراً ما
تكون هذه البدعة سبباً لإضاعة ما هو واجب، فقد اتفق لي مراراً – وكذا
لغيري – أنني سلمت على أحدهم، فردَّ عليَّ السلام بالتلويح بها! دون أن
يتلفظ بالسلام! ومفاسد هذه البدعة لا تحصى، فما أحسن ما قال الشاعر:
وكُلُّ خَيْرٍ في اتِّباعِ من سّلّفْ *** وكُلُّ شرِّ في ابْتِداعِ مَن خَلَفْ