الحديث الأول:
قال الإمام البخاري رحمه الله في "صحيحه" (ج1 ص494): حدثنا آدم ابن أبي
إياس، قال: ثنا شعبة، قال أخبرنا أبومسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: سألت أنس بن
مالك: أكان النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي في نعليه؟ قال: نعم.
الحديث رواه مسلم (ج5 ص42) -مع "النووي"- والترمذي (ج1 ص310) -مع
"تحفة الأحوذي"- وقال: حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم، والنسائي
(ج2 ص58)، وابن الجارود ص(68)، وأحمد (ج3 ص100، 166، 189)، وأبوداود الطيالسي (ج1
ص84)، والدارمي (ج1 ص320)، وابن سعد (ج1 ص511)، والبيهقي (ج2 ص431).
الحديث الثاني:
قال الإمام مسلم في "صحيحه" (ج1 ص390) رقم (554): حدثنا عبيدالله بن
معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا كهمس عن يزيد بن عبدالله بن الشّخّير عن أبيه قال:
صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأيته تنخّع فدلكها بنعله.
وحدثني يحيى بن يحيى أخبرنا يزيد بن زريع عن الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبدالله
بن الشّخّير عن أبيه، أنّه صلّى مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:
فتنخّع فدلكها بنعله اليسرى.
الحديث الثالث:
قال عبدالرزاق في "المصنف" (ج1 ص384): عن معمر عن سعيد الجريري عن أبي
العلاء6 بن عبدالله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يصلّي في نعليه.
الحديث رجاله رجال الصحيح.
الحديث الرابع:
قال ابن ماجه (ج1 ص330): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة ثنا غندر عن شعبة عن النعمان بن
سالم عن ابن أبي أوس قال: كان جدّي أوس أحيانًا يصلّي فيشير إليّ وهو في الصّلاة
فأعطيه نعليه ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي في نعليه.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ص(125): هذا إسناد صحيح.
ورواه ابن أبي شيبة (ج2 ص415)، والطحاوي (ج1 ص 512)، وأحمد (ج4 ص 8، 9، 10). وقال
الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج2 ص55): رواه الطبراني في
"الكبير" ورجاله ثقات.
الحديث الخامس:
قال أحمد (ج2 ص422): حدثنا عفان قال: حدثنا أبوعوانة قال: ثنا عبدالملك بن عمير عن
رجل من بني الحارث بن كعب قال: كنت جالسًا عند أبي هريرة، فأتاه رجل فسأله فقال:
يا أبا هريرة أنت نهيت النّاس أن يصوموا يوم الجمعة؟ قال: لا لعمر الله، غير أنّي
وربّ هذه الحرمة لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا
يصومنّ أحدكم يوم الجمعة إلا في أيّام يصومه فيها)) فجاء آخر فقال: يا أبا هريرة
أنت نهيت النّاس أن يصلّوا في نعالهم؟ قال: لا لعمر الله، غير أنّي وربّ هذه
الحرمة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي إلى هذا المقام وإنّ
عليه نعليه، ثمّ انصرف وهما عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الحديث أخرجه أيضًا في مواضع ص (348، 365، 377، 458 537)، وفي بعض الطرق التصريح
بالمبهم أنه (أبوالأوبر زياد الحارثي)، وأخرجه عبدالرزاق (ج1 ص385)، وابن أبي شيبة
(ج2 ص415)، والطحاوي (ج1 ص511).
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا زياد الحارثي أبا الأوبر، وقد وثقه ابن معين وابن
حبان كما في "تعجيل المنفعة".
وأما قول الحافظ الهيثمي رحمه الله في "مجمع الزوائد" (ج2 ص54): (رجاله
ثقات، خلا زياد الأوبر الحارثي، فإني لم أجد من ترجمه بثقة ولا بضعف) فهو متعقّب
بما ذكره الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة" من توثيق ابن معين وابن
حبان له.
الحديث السادس:
قال ابن ماجه (ج1 ص330): حدثنا علي بن محمد ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي إسحاق
عن علقمة عن عبدالله قال: لقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي
في النّعلين والخفّين.
الحديث رواه أيضًا أبوداود الطيالسي (ج1 ص84)، وابن أبي شيبة (ج2 ص416) وأحمد (ج1
ص461)، والطحاوي (ج1 ص 511).
وعند بعضهم التصريح أن أبا إسحاق لم يسمعه من علقمة.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" ص (125): هذا إسناد
فيه أبوإسحاق السبيعي اختلط بآخره، وزهير هو ابن معاوية بن خديج، روى عنه في
اختلاطه، قاله أبوزرعة.
فالحديث بهذا السند ضعيف، لكنه يصلح للاستشهاد به.
الحديث السابع:
قال أبوداود (ج1 ص247، 248): حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا علي ابن المبارك عن حسين
المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم يصلّي حافيًا ومنتعلاً.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج1 ص330) وأحمد (ج2 ص174، 178، 179، 190، 215)، وابن أبي
شيبة (ج2 ص415)، وابن سعد (ج1 ق2 ص168)، والطحاوي (ج1 ص512)، والبيهقي (ج1 ص421).
والحديث حسن7.
الحديث الثامن:
قال أحمد (ج4 ص307): حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن السدي عن من سمع عمرو بن حريث قال:
صلّى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نعليه -وفي طريق أخرى- في نعلين
مخصوفين.
الحديث أخرجه الترمذي في "الشمائل" ص(62)، وعبدالرزاق (ج1 ص386)، وابن
أبي شيبة (ج2 ص415)، وابن سعد (ج1 ق2 ص167)، والطحاوي (ج1 ص512).
والحديث في سنده مبهم.
قال الشارح للشمائل: قال القسطلاني: ولم أر في رواية التصريح باسم من حدّث
السّدي8، وأظنه عطاء بن السائب، فإنه اختلط آخرًا، والسّدي ممن سمع منه بعد
الاختلاط، فأبْهمه لئلا يفطن له.
الحديث التاسع:
قال البيهقي(ج2 ص420): أنبأ أبوبكر بن الحارث الفقيه أنبأ أبومحمد ابن حيان ثنا
علي بن سعيد ثنا محمد بن سنان القزاز9 ثنا أبوغسان العنبري ثنا شعبة عن حميد بن
هلال عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يصلّي في نعلين مخصوفتين من جلود البقر.
الحديث قال البيهقي: تفرّد به أبوغسان يحيى بن كثير العنبري كما أعلم.
الحديث العاشر:
قال أحمد (ج3 ص502): حدثنا يونس بن محمد قال: ثنا العطاف قال: حدثني مجمع بن يعقوب
عن غلام من أهل قباء أنه أدركه شيخًا أنه قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بقباء فجلس في فيء الأحمر، واجتمع إليه ناس، فاستسقى رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم فسقي فشرب وأنا عن يمينه، وأنا أحدث القوم فناولني فشربت وحفظت
أنّه صلّى بنا يومئذ الصّلاة وعليه نعلاه لم ينْزعهما.
الحديث أخرجه أيضًا (ج4 ص221، 334)، وأخرجه الطحاوي (ج1 ص512) وذكر بين مجمع بن
يعقوب والصحابيّ محمد بن إسماعيل، وسمى الصحابيّ عبدالله بن أبي حبيبة، وابن سعد
(ج1 ق2 ص167).
وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج2 ص53): رواه أحمد، وسماه عبدالله
بن أبي حبيبة في رواية أخرى، وكذلك رواه الطبراني في "الكبير"، ورجال
أحمد موثقون.
الحديث الحادي عشر:
قال البيهقي (ج2 ص431): أنبأ أبوالحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأ إسماعيل بن
محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر ثنا أبوبدر عن زياد بن خيثمة عن عبدالله بن عيسى عن
عبدالله بن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم يصلّي حافيًا ومنتعلاً، ويشرب قائمًا وقاعدًا، وينصرف عن يمينه وعن
شماله، ولا يبالي أيّ ذلك كان.
الحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج2 ص55): رواه الطبراني في
"الأوسط" ورجاله ثقات.
إلا أن في "المجمع" بدل: (وينصرف عن يمينه).. إلى آخره، (وينفتل).
الحديث الثاني عشر:
قال الطحاوي (ج1 ص512): حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: ثنا أبوربيعة قال: ثنا حماد
بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن عبدالملك عن سعيد بن فيروز عن أبيه، أنّ وفد ثقيف
قدموا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا: فرأيناه يصلّي، وعليه
نعلان مقابلتان10.
الحديث في سنده الحجاج بن أرطاة وهو مدلس.
لكن قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج2 ص55): رواه الطبراني في
"الأوسط" ورجاله ثقات. فلينظر هل له طريق أخرى؟ أم صرح الحجاج بالتحديث؟
أم تساهل الحافظ الهيثمي رحمه الله11.
الحديث الثالث عشر:
قال عبدالرزاق (ج1 ص386): عن عبدالله بن عبدالرحمن12 بن يزيد قال: حدثني محمد بن
عباد بن جعفر عن شيخ منهم قال: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي في
نعليه، وأشار إلى المقام.
الحديث الرابع عشر:
قال أبوداود (ج1 ص247): حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن هلال
بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: ((خالفوا اليهود، فإنّهم لا يصلّون في نعالهم ولا خفافهم)).
الحديث رواه ابن حبان كما في "موارد الظمآن" ص (107) وفيه زيادة:
((والنصارى))، والبيهقي (ج2 ص432)، والحاكم (ج1 ص26) قال: هذا حديث صحيح الاسناد
ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
وقال الحافظ العراقي: إنّ سنده حسن. كما في "فيض القدير". وأخرجه
الطبراني في "الكبير" (ج7 ص348) بلفظ: ((صلّوا في نعالكم ولا تشبّهوا
باليهود)).
الحديث الخامس عشر:
قال الحاكم (ج1 ص139): حدثنا محمد بن صالح وإبراهيم بن عصمة قالا: حدثنا السري بن
خزيمة ثنا موسى بن إسماعيل. وأنبأ أبوالوليد الفقيه ثنا الحسن بن سفيان ثنا
إبراهيم بن الحجاج قالا: ثنا عبدالله بن المثنى الأنصاري عن ثمامة عن أنس أنّ
النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخلعْ نعليه في الصّلاة قطّ، إلاّ مرّةً
واحدةً، خلع فخلع النّاس، فقال: ((ما لكم))؟ قالوا: خلعت فخلعنا. فقال: ((إنّ
جبرئيل أخبرني أنّ فيهما قذرًا أو أذًى)).
الحديث قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بعبدالله بن المثنى ولم
يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
وقال الحافظ الهيثمى في "مجمع الزائد" (ج2 ص56): رواه الطبراني في
"الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار باختصار.
الحديث السادس عشر:
قال الحاكم (ج1 ص181): حدثنا أبوجعفر محمد بن محمد بن عبدالله البغدادي ثنا
المقدام بن داود عن تليد الرعيني ثنا عبدالغفار بن داود الحراني ثنا حماد بن سلمة
عن عبيدالله بن أبي بكر وثابت عن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال: ((إذا توضّأ أحدكم ولبس خفّيه فليصلّ فيهما، وليمسحْ عليهما، ثمّ لا يخلعهما إن
شاء إلاّ من جنابة)).
هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وعبدالغفار بن داود ثقة، غير أنه ليس عند أهل البصرة
عن حماد. اهـ
الحديث أخرجه البيهقي (ج1 ص279) وذكر لعبدالغفار متابعًا، وهو أسد بن موسى الذي
يقال له: أسد السنة.
والحديث شاذ.
قال الحافظ البيهقي: قال ابن صاعد: وما علمت أحدًا جاء به إلا أسد بن موسى. قال
البيهقي رحمه الله: وقد تابعه في الحديث المسند عبدالغفار بن داود الحراني، وليس
عند أهل البصرة عن حماد، وليس بمشهور والله أعلم. اهـ
هذا وقد تركت جملةً من الأحاديث الدالة على شرعية الصلاة في النعال من "مجمع
الزوائد" و"مصنف عبدالرزاق" وغيرهما لما فيهما من الكلام، على أن
بعضها يصلح في الشواهد والمتابعات.
ولا سيّما وقد صرح الطحاوي في "معاني الآثار" (ج1 ص511) أنّ الأحاديث
الدالة على شرعية الصلاة في النعال متواترة، فقال: فقد جاءت الآثار أن الأحاديث
الدالة على شرعية الصلاة -أي في النعال- متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بما ذكر عنه من صلاته فى نعليه، ومن خلعه إياهما في وقت ما خلعهما
للنجاسة التي كانت فيهما، ومن إباحة الصلاة في النعال.اهـ
والعلماء رحمهم الله تعالى لا يشترطون في المتواتر أن تكون كلّ طريق صحيحةً أو
حسنةً، بل يذكرون ما ورد من صحيح وحسن وضعيف.
باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما؟
الحديث الأول:
قال أبوداود (ج2 ص248): حدثنا الحسن بن علي ثنا عثمان بن عمر ثنا صالح بن رستم
أبوعامر عن عبدالرحمن بن قيس13 عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا صلّى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه
ولا عن يساره، فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعهما بين
رجليه)).
الحديث أخرجه ابن حبان كما في "موارد الظمآن" ص (107)، والحاكم (ج1
ص259) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والبيهقي (ج2 ص432).
الحديث الثاني:
قال أبوداود (ج1 ص246): حدثنا مسدد ثنا يحيى عن ابن جريج حدثني محمد بن عباد بن
جعفر عن ابن سفيان14 عن عبدالله بن السائب قال: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم يصلّي يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره.
الحديث رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه النسائي (ج2 ص58)، وابن ماجه (ج1 ص416)، وابن أبي شيبة (ج2 ص418)، والحاكم
(ج1 ص259)، والبيهقي (ج2 ص432).
الحديث الثالث:
قال أبوداود (ج1 ص248): حدثنا عبدالوهاب بن نجدة ثنا بقية وشعيب بن إسحاق عن
الأوزاعي حدثني محمد بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا صلّى أحدكم فخلع نعليه، فلا يؤذ بهما
أحدًا، ليجعلهما بين رجليه أو ليصلّ فيهما)).
الحديث أخرجه ابن أبي شيبة (ج2 ص418)، والطبراني في "الصغير" (ج2 ص8)،
والحاكم (ج1 ص259)، والبيهقي (ج2 ص432).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
الحديث الرابع:
قال ابن أبي شيبة (ج2 ص418): حدثنا عفان قال: ثنا حماد بن سلمة قال: ثنا أبونعامة
السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
يصلّي، فخلع نعليه فوضعهما عن يساره.
الحديث على شرط مسلم.
باب طهارة الخف والنعل
الحديث الأول:
قال أبوداود (ج1 ص148): حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير -يعني الصنعاني-
عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا وطئ الأذى بخفّيه فطهورهما التّراب)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة (ج1 ص148)، وابن حبان كما في "موارد الظمآن"
ص(85)، والحاكم (ج1 ص11) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. والبيهقي (ج2 ص430)، وابن
حزم في "المحلى" (ج1 ص93)15.
الحديث الثاني:
قال أبوداود (ج1 ص247): حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن زيد عن أبي نعامة
السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلمّا رأى ذلك القوم ألقوا
نعالهم، فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاته، قال: ((ما حملكم
على إلقائكم نعالكم))؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((إنّ جبريل عليه السّلام أتاني فأخبرني أنّ فيهما
قذرًا أو قال: أذًى)) وقال: ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فلينظر، فإن رأى في نعليه
قذرًا أو أذًى فليمسحه وليصلّ فيهما)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (ج1 ص384)، وابن حبان كما في
"موارد الظمآن" ص(107)، وأحمد في "المسند" (ج3 ص20)، والحاكم
(ج1 ص260)، وعبدالرزاق (ج1 ص388)، وابن أبي شيبة (ج2 ص416)، وأبوداود الطيالسي(ج1
ص84)، والدارمي (ج1 ص32)، والطحاوي (ج1 ص511)، والبيهقي (ج2 ص431)، وابن حزم في
"المحلى" (ج1 ص93).
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي16.
أضرار ترك الصلاة في النعال
أولاً: من أعظم أضرار ترك الصلاة في النعال، أن أكثر المسلمين أصبحوا جاهلين بهذه
السنة، ويرون أن الذي يصلي في نعليه قد ارتكب جرمًا عظيمًا، ويستحلّون منه ما
يستحلّون من ذوي الجرائم الكبرى.
ولقد سمعت وأنا باليمن سادن17 مسجد يقول: إن رجلاً كان في السعودية، ثم عاد إلى
البلاد، فهو يريد أن يدخل المسجد، قال: فقلت: والله لو تدخل المسجد بنعليك لكسرت
رجلك. وهو يدّعي أنه من أهل العلم، مع أنه جاهل بمذهبه.
فقد قال الشوكاني رحمه الله18 في الكلام على شرعية الصلاة فى النعال:
وممن ذهب إلى الإستحباب: الهادوية، وإن أنكر ذلك عوامهم. قال الإمام المهدي في
"البحر": مسألة: وتستحب في النعل الطاهر لقوله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: ((صلّوا في نعالكم))، الخبر. اهـ
ورأيت جماعةً في الحرم المكي قد اجتمعوا على رجل تحت المكبّرة ينكرون عليه صلاته
في النعال، فقال أحدهم: هذا شيطان -يعني المصلي في نعليه-. وللأسف إن ذلك القائل
من المحافظين على الجماعة في الحرم، ولا شك أنه لو يعلم أنّها سنة لما تجرّأ على
أخيه المسلم يقول له إنه شيطان.
ورأيت وأنا ببيشة رجلاً عليه سيما الخير والصلاح ينكر على من يصلي في نعليه، فقيل
له: إنّها سنة! فقال: أعوذ بالله من هذه السنة.
وأعظم من هذا كله أن بعض الإخوان في الله أراد أن يعمل بهذه السنة في الحرم
المدني، فأنكر الناس عليه إنكارًا شديدًا19.
وهذا كله بسبب عدم عمل أهل العلم بهذه السنة، ولو عمل أهل العلم بها لما احتجنا
إلى جمع هذه الاحاديث، ونشرها بين الناس.
وسببه أيضًا إعراض الناس عن كتب السنة، ولو رجعوا إليها لما خالطهم شك في شرعية
الصلاة في النعال، وأنّها سنة مأمور بها.
ثانيًا: ومن أضرار ترك الصلاة في النعال أن بعض المصلين يجمعونها في موضع، فربما
كانت سببًا لتعويج الصفوف المأمور بتسويتها، والمتوعّد على اعوجاجها، وقد شاهدنا
اعوجاج الصفوف في صحن الحرم المكي، من أجل تكويم النعال، لأنه لم يجد موضعًا في
الصف لكثرة الناس.
ثالثًا: ومنها: أن كثيرًا من المصلين يتركون النظر فيها عند أبواب المساجد، لأنّهم
لا يريدون الصلاة فيها، فربما أدخل بعضهم الأذى في نعليه، فإذا وضعها في المسجد
تساقط في المسجد، وكل هذا بسبب ترك السنة، وهو النظر فيها عند الباب، ومسحها
بالتراب إن كان بها أذى.
رابعًا: إنّ المصلي قد يخاف على نعليه أن تسرق، فيتشوش وهو في صلاته تشويشًا يذهب
الخشوع، والخشوع هو لبّ الصلاة، كما قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الّذين هم
في صلاتهم خاشعون20}.
وقد وردت أحاديث في الحث على إزالة ما يشوش على المصلين:
روى مسلم في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم قال: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان)).
وأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله
قال: ((إذا قدّم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلّوا المغرب)).
قال هذا صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أجل المحافظة على الخشوع.
شبه المنكرين للصلاة في النعال
للمنكرين للصلاة في النعال شبه لا بد من الكلام عليها حتى يتضح الحق إن شاء الله.
على أني ما سمعت عالمًا قط يحتج بشبههم، والجهال ليسوا بحجة على الشرع المطهر.
فأما شبههم فمنها:
الشبهة الأولى:
إن المساجد قد زيّنت وفرشت، وليست كالمساجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم.
فالجواب: أن الخير فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولو بقيت
المساجد على ما كانت عليه في عصر النبوة لكان خيرًا، وأما زخرفة المساجد وتزيينها
فقد ورد النهي عنهما.
فقد أخرج أبوداود (ج1 ص171)، وابن ماجة (ج1 ص244) والدارمي (ج1 ص327)، وأحمد (ج3
ص134، 145، 152، 230، 283)، وابن حبان كما في "موارد الظمآن": عن
أنس?رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تقوم
السّاعة حتّى يتباهى النّاس فى المساجد)) .
وفي بعض الطرق : (نهى أن يتباهى النّاس بالمساجد)21
وأخرج أبوداود (ج1 ص170): عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: ((ما
أمرت بتشييد22 المساجد))، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: لتزخرفنّها كما زخرفت
اليهود والنّصارى.
رجاله رجال الصحيح إلا شيخ أبي داود محمد بن الصبّاح بن سفيان وهو صدوق.
قال الصنعاني رحمه الله23: قال المهدي في "البحر": إن تزيين الحرمين لم
يكن برأي ذي حلّ وعقد، ولا سكوت رضا، أي: من العلماء، وانما فعله أهل الدول
الجبابرة من غير مؤاذنة لأحد من أهل الفضل، وسكت المسلمون من غير رضا. وهو كلام
حسن.اهـ
أقول: وأما فرش المسجد بالسجاد فلا شك أنه يشغل المصلي، ويلهيه عن الصلاة، فقد روى
البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن عائشة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم صلّى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها فلمّا انصرف قال: ((اذهبوا
بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيّة أبي جهم فإنّها ألهتني آنفًا عن
صلاتي)) وفي رواية: ((كنت أنظر إلى أعلامها وأنا في الصّلاة، فأخاف أن تفتنني)).
هذا لفظ البخاري.
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال
النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أميطي عنّي قرامك هذا فإنّه لا تزال
تصاويره تعرض لي في صلاتي)).
وأخرج أيضًا عن عقبة بن عامر قال: أهدي إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فرّوج حرير، فلبسه، فصلّى فيه ثمّ انصرف فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له، وقال:
((لا ينبغي هذا للمتّقين)).
قال الصنعاني في "سبل السلام" في الكلام على حديث عائشة في قصة الخميصة:
وفي الحديث دليل على كراهة ما يشغل عن الصلاة من النقوش ونحوها مما يشغل القلب،
وفيه مبادرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى صيانة الصلاة عما يلهي، وإزالة ما
يشغل عن الإقبال عليها.
قال الطيـبي: فيه إيذان بأن للصور ?Sوالأشياء الظاهرة تأثيرًا في
القلوب الطاهرة، والنفوس الزكية، فضلاً عما دونها، وفيه كراهة الصلاة على المفارش
والسجاجيد المنقوشة، وكراهة نقش المساجد ونحوه. اهـ كلامه رحمه الله.
الشبهة الثانية:
وربما استدل بعضهم بقوله سبحانه وتعالى آمرًا لموسى عليه السلام: {فاخلع نعليك
إنّك بالواد المقدّس طوًى24}.
وهذا استدلال في غاية من البعد، ورحم الله ابن مسعود رضي الله عنه إذ يقول لأبي
موسى الأشعري لمّا أمّهم فخلع نعليه: لم خلعت نعليك؟ أبالوادي المقدس أنت25 ؟.
قال أبومحمد بن حزم رحمه الله في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام": ومن
شرائع موسى عليه السلام قوله تعالى: {فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوًى}، ونحن
لا نحلع نعالنا في الأرض المقدسة.اهـ
يريد رحمه الله أننا لسنا متعبّدين بشرع من قبلنا، هذا وإنني لا أعلم شبهة ينبغي
أن تذكر، وأما هوس الجهال واستحساناتهم، فلا ينفع فيها إلا عمل أهل العلم بالسنة،
وهم إذا رأوا أهل العلم يعملون بالسنة سيعملون بها.
الانكار على من رد السنن بالرأي والاستحسان
لما كان كثير من الناس يردون السنن بالرأي والإستحسان، ومن هذه السنن التي
يردّونها شرعية الصلاة في النعال، رأيت أن أذكر من الأدلة ومن كلام أهل العلم ما
يبين فساد هذه الطريقة، ويبين ضررها على الدين:
الحديث الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى في
امرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل فقتلت
ولدها الّذي في بطنها، فاختصموا إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى أنّ
دية ما في بطنها غرّة، عبد أو أمة، فقال وليّ المرأة الّتي غرمت: كيف أغرم يا رسول
الله من لا شرب ولا أكل؟ ولا نطق ولا استهلّ؟ فمثل ذلك يطلّ26، فقال النّبيّ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّما هذا من إخوان الكهّان)).
رواه البخاري: (ج12 ص328). ومسلم: (ج11 ص177)، وفيه زيادة بعد قوله: ((إنّما هذا
من إخوان الكهّان)) (من أجل سجعه الّذي سجع).
وأخرجه أبوداود (ج4 ص318)، والنسائي (ج8 ص43)، وابن ماجة (ج2 ص882).
الحديث الثاني:
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنّ امرأةً قتلت ضرّتها بعمود فسطاط، فأتي فيه
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقضى على عاقلتها بالدّية، وكانت حاملاً،
فقضى في الجنين بغرّة، فقال بعض عصبتها: أندي من لا طعم ولا شرب؟ ولا صاح فاستهلّ؟
ومثل ذلك يطلّ. قال: فقال: ((سجع كسجع الأعراب)).
رواه مسلم (ج11 ص179)، والنسائي (ج8 ص44).
فأنت ترى أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر عليه معارضته لحديثه
برأيه وقال: ((إنّما هذا من إخوان الكهّان))، من أجل سجعه.
الحديث الثالث:
عن عبدالله بن أبي مليكة قال: كاد الخيّران أن يهلكا، أبوبكر وعمر رضي الله عنهما،
رفعا أصواتهما عند النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قدم عليه ركب بني
تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر -قال
نافع: لا أحفظ اسمه- فقال أبوبكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. قال: ما أردت خلافك.
فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله سبحانه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا ترفعوا
أصواتكم} الآية. قال ابن الزّبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بعد هذه الآية حتّى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه -يعني- أبا بكر.
أخرجه البخاري (ج10 ص212، 214) وفيه رواية ابن أبي مليكة عن عبدالله بن الزبير
و(ج17 ص39). وأخرجه الترمذي (ج4 ص185) وعنده تصريح عبدالله بن أبي مليكة أن
عبدالله بن الزبير حدثه به.
وأحمد (ج4 ص6). والطبري (ج26 ص119) وفيه قول نافع: حدثني ابن أبي مليكة عن ابن
الزبير، فعلم اتصال الحديث كما أشار إليه الحافظ في "الفتح" (ج10 ص212).
الحديث الرابع:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في مرضه:
((مروا أبابكْر فليصلّ بالنّاس)) قالت عائشة: فقلت: إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك
لم يسمع النّاس من البكاء، فمر عمر فليصلّ. فقال: ((مروا أبابكر فلْيصلّ بالنّاس))
قالت عائشة: فقلت لحفْصة: قولي: إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من
البكاء، فمر عمر فليصلّ بالنّاس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم: ((إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبابكر فليصلّ بالنّاس)) قالت حفصة
لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا.?
رواه البخاري (ج17 ص39)، ومسلم (ج5 ص140، 141).
الحديث الخامس:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يقول: ((إنّ الله لا ينْزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعًا، ولكن ينْزعه منهم
مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهّال يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلّون
ويضلّون)).
رواه البخاري (ج17 ص45)، ومسلم، واللفظ للبخاري.
آثار عن السلف
وأما الآثار عن السلف رحمهم الله، فأكثر من أن تحصر، ولكن أشير إلى بعضها:
الأثر الأول:
عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: لو كان الدّين بالرّأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح
من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظاهر خفّيه.
رواه أبوداود (ج1 ص63) ورجاله رجال الصحيح إلا عبدخير، وهو ثقة كما في "التقريب".
وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام": إنّ سنده حسن، وقال في
"التلخيص": رواه أبوداود، وإسناده صحيح.
الأثر الثاني:
الحديث عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:
((لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنّكم)) قال: فقال بلال بن عبدالله: والله
لنمنعهنّ، قال27: فأقبل عليه عبدالله فسبّه سبًّا سيّئًا ما سمعته سبّه مثله،
وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتقول: والله لنمنعهنّ.
رواه مسلم (ج4 ص161)، وفي "جامع بيان العلم وفضله" (ج2 ص139) للحافظ ابن
عبدالبر أنه قال له: لعنك الله، لعنك الله، أقول: رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم أمر أن لا يمنعن. وقام مغضبًا.
الأثر الثالث:
عن عبدالله بن المغفل أنّه رأى رجلاً يخذف فقال له: لا تخذف، فإنّ رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الخذف، أو كان يكره الخذف، وقال: ((إنّه لا يصاد
به صيد، ولا ينكى به عدوّ، ولكنّها قد تكسر السّنّ وتفقأ العين))، ثمّ رآه بعد ذلك
يخذف، فقال له: أحدّثك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه ينهى عن
الخذف، وأنت تخذف، لا أكلّمك كذا وكذا.
رواه البخاري (ج12 ص26)، ومسلم (ج13 ص105، 106) وفيه: لا أكلمك أبدًا.
الأثر الرابع:
عن أبي قتادة تميم بن نذير العدوي أنّه قال: كنّا عند عمران بن حصين في رهط، وفينا
بشير بن كعب فحدّث عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
((الحياء خير كلّه)) فقال بشير بن كعب: إنّا لنجد في بعض الكتب: أنّ منه سكينةً
ووقارًا ومنه ضعف. فغضب عمران حتّى احمرّت عيناه، وقال: ألا أراني أحدّثك عن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعارض فيه، قال: فأعاد عمران الحديث، قال:
فأعاد بشير، فغضب عمران، قال: فما زلنا نقول فيه: إنّه منّا يا أبا نجيد، إنّه لا
بأس به.
رواه مسلم (ج2 ص7)، وأحمد (ج4 ص427، 436، 440، 442، 445)، والطيالسي (ج2 ص41).
الأثر الخامس:
عن ابن أبي مليكة أن عروة بن الزبير قال لابن عباس: أضللت الناس، قال: وما ذاك يا
عريّة؟ قال: تأمر بالعمرة في هؤلاء العشر وليستْ فيهنّ عمرة! فقال: أولا تسأل أمّك
عن ذلك؟ فقال عروة: فإنّ أبابكر وعمر لم يفعلا ذلك، فقال ابن عبّاس: هذا الّذي
أهلككم، والله ما أرى إلاّ سيعذّبكم، إنّي أحدّثكم عن النّبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم، وتجيئوني بأبي بكر وعمر...
رواه أحمد (ج1 ص337). وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" (ج1
ص360) وفيه : نجيئكم برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتجيئوني بأبي بكر
وعمر؟.
والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (ج1 ص 145)، والسياق له، وابن حزم في
"حجة الوداع" ص (268، 269) من طرق إلى ابن عباس. وابن عبدالبر في
"جامع بيان العلم وفضله" (ج2 ص239،240).
الأثر السادس:
قال الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (ج1 ص150): أنا محمد بن أحمد بن رزق
أنا عثمان بن أحمد الدقاق نا محمد بن إسماعيل الرقي أنا الربيع بن سليمان قال:
سمعت الشّافعي وسأله رجل عن مسألة فقال: يروى فيها كذا وكذا عن النّبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم، فقال له السّائل: يا أبا عبدالله ما تقول فيه؟ فرأيت الشّافعي
أرعد وانتفض، فقال: ما هذا؟ أيّ أرض تقلّني، وأيّ سماء تظلني، إذا رويت عن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثًا فلم أقلْ به؟ نعم على السّمع والبصر، نعم على
السّمع والبصر.
وقال: أنا الربيع قال: سمعت الشّافعي وقد روى حديثًا وقال له بعض من حضر: تأخذ
بهذا ؟ فقال: إذا رويت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثًا صحيحًا فلم
آخذْ به، فأنا أشهدكم أنّ عقلي قد ذهب، ومدّ يديه.
وأخرج الأثرين: الحافظ البيهقي في "مناقب الشافعي" (ج1 ص474، 475)،
وأبونعيم في "الحلية" (ج9 ص106).
وقد ذكر الحافظ الخطيب في كتابه "الفقيه والمتفقه" كلامًا حسنًا في الرد
على أهل الرأي فقال رحمه الله (ج1 ص152): ولعمري إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرًا
على خلاف الرأي ومجانبته خلافًا بعيدًا، فما يرى المسلمون بدًا من اتّباعها
والانقياد لها، ولمثل ذلك ورع أهل العلم والدين فكفهم عن الرأي ودلهم على عوره
وغوره أنه يأتي الحق على خلافه في وجوه متعددة، من ذلك:
أن قطع أصابع اليد، مثل قطع اليد من المنكب، أي ذلك أصيب ففيه ستة الآف.
ومن ذلك: أن قطع الرجل في قلة ضررها، مثل قطع الرجل من الورك، أي ذلك أصيب ففيه
ستة الآف.
ومن ذلك: أن في العينين إذا فقئتا مثل ما في قطع أشراف الأذنين في قلة ضررها، أي
ذلك أصيب ففيه اثنا عشرألفًا.
ومن ذلك: أن في شجتين موضحتين صغيرتين مائتي28 دينار، وما بينهما صحيح، فإن جرح ما
بينهما حتى تقام إحداهما إلى الأخرى، كان أعظم للجرح بكثير، ولم يكن فيها حينئذ
إلا خمسون دينارًا.
ومن ذلك: أنّ المرأة الحائض تقضي الصيام، ولا تقضي الصلاة.
ومن ذلك: رجلان: قطعت أذنا أحدهما جميعًا، يكون له اثنا عشر ألفًا، وقتل الآخر
فذهبت أذناه وعيناه ويداه ورجلاه وذهبت نفسه، ليس ذلك له إلا اثنا عشر ألفًا، مثل
ذلك الذي لم يصب إلا شراف أذنيه.
في أشباه هذا غير واحد فهل وجد المسلمون بداً من لزوم هذا؟ وأي هذه الوجوه يستقيم
على الرأي أو يخرج في التفكير؟ ... إلى آخر كلامه رحمه الله.
وفي كتاب أبي محمد بن حزم رحمه الله "الإحكام في أصول الأحكام" من هذا
الكثير الطيب فأنصح مريد الحق بقراءته.
وبهذا ينتهي ما أردناه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله
وصحبه.
1 الرواية هكذا كما في "سنن أبي داود" (ج2
ص203، 204) والتلاوة: {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءًً واتقوا الله..}.
2 سورة الأحزاب، الآية: 21.
3 سورة الحشر، الآية: 7.
4 سورة الأحزاب، الآية: 36.
5 سورة النور، الآية: 63.
6 هو يزيد بن عبدالله بن الشخير، من رجال الجماعة.
7 لأن عمرو بن شعيب إذا صح السند إليه، فحديثه حسن، وقد صح السند إليه.
8 السّدي هنا هو الكبير إسماعيل بن عبدالرحمن من رجال مسلم، وأما السّدي الصغير،
فهو حفيد إسماعيل، واسمه محمد بن مروان، وهو متّهم كما في "التقريب".
9 محمد بن سنان القزاز ضعيف، كما في "التقريب".
10 وفي نسخة: متقابلتان.
11 الحديث في "المعجم الأوسط" للطبراني (ق29/ب) -من "زوائد
المعجمين"- وسقط من إسناده: حجاج بن أرطأة، فلعل الهيثمي لأجل ذلك حكم عليه
بما علمت، والله أعلم.
12 أثبتنا عبدالله بن عبدالرحمن من التعليق على "المصنف".
13 عبدالرحمن بن قيس: هو العتكي أبوروح، وثّقه ابن حبان، وقال المنذري في
"مختصر السنن": يشبه أن يكون الزعفراني، وليس كما ظن، فإن الزعفراني
يصغر عن إدراك يوسف ابن ماهك، وأيضًا فقد ذكره ابن حبان، وأما الزعفراني فواهي
الحديث .اهـ مختصرًا من "تهذيب التهذيب".
14 ابن سفيان هو عبدالله بن سفيان.
15 فائدة: قال صاحب "عون المعبود": قلت: ومحمد بن كثير وإن ضعّف، لكن
تابعه على هذا أبوالمغيرة، والوليد بن مزيد، وعمر بن عبدالواحد، عن الاوزاعي،
وكلهم ثقات، ومحمد بن عجلان وإن ضعّفه بعضهم، لكن الأكثرين على توثيقه، ثم ذكر له
شاهدًا الحديث الآتي.
16 فائدة: في التعليق على "المحلى": إن الطيالسي والحاكم والبيهقي رووه
عن حماد بن سلمة، ورواه أبوداود عن حماد بن زيد، وهذا في رأينا خطأ لاتفاق هؤلاء
على أنه حماد بن سلمة، ولأنه لم يذكر عن أبي نعامة حماد بن زيد وكذلك لم تذكر
رواية لموسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد، بل هو يروي عن حماد بن سلمة، ولعل الخطأ
من أبي داود أو من رواة كتابه، وقد صححه الحاكم على شرط مسلم. اهـ مختصرًا
17 سادن المسجد: خادمه والقائم على شؤونه.
18 في "نيل الأوطار" (ج2 ص135).
19 وأخذ إلى دار الحرم، وأخذ عليه التعهد على أن لا يصلي في نعليه.
20 سورة المؤمنون، الآية: 1-2.
21 قال المناوي في "فيض القدير" في الكلام على هذا الحديث: يتفاخر الناس
في عمارة المساجد ونقشها وتزويقها، كفعل أهل الكتاب بكنائسهم وبيعهم، وقيل: المراد
عمارتها بالصلاة لا بنيانها.اهـ
قلت: التباهي مطلق يشمل هذين وغيرهما.
22 قال الخطابي: التشييد رفع البناء وتطويله "عون المعبود". وذكر ابن
الأثير في "النهاية" نحوه ثم قال: ويقال: شاد البنيان يشيده إذا جصصه
وعمله بالشيد، وهوكل ما طليت به الحائط من جص وغيره. اهـ
23 في "سبل السلام" (ج1 ص158).
24 سورة طه، الآية: 12.
25 رواه عبدالرزاق (ج1 ص386)، وابن أبي شيبة (ج2 ص418) ورجاله رجال الصحيح.
26 يطل: يهدر، كما في "فتح الباري".
27 قائل (قال) هو سالم بن عبدالله بن عمر، الراوي لهذا الحديث عن أبيه عبدالله بن
عمر.
28 كذا في الأصل، ولعل الصواب: مائة.
المصدر مكتبة الشيخ الالكترونية