جرائم الحرب اصطلاح معناه خرق عسكري لأنظمة وقواعد الحرب، حيث يعني هذا
التعريف منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) أي جريمة أو فضيحة، أو اضطهادات
ارتُكِبَتْ خلال الحرب.
ومنذ آلاف السنين، كانت هناك قواعد وأعراف كثيرة ومتنوعة تحكم حالة الحرب. ونشأت
هذه الأعراف وتطورت من قيم ومبادئ الفروسية والدبلوماسية، إضافة إلى الرغبة في الحد
من هول وتدمير الحروب، وقد تمت محاكمة المتهمين بالإخلال بهذه الأنظمة على مر
السنين.
ومنذ القرن التاسع عشر، وقَّعت معظم الدول على معاهدات دولية للتقيُّد بقواعد
الحرب. ومن هذه القواعد مايتعلق بمعاملة السجناء، ومنع استخدام الغازات والجراثيم،
والمعاملة الإنسانية للمدنيين في المناطق المحتلة من قبل القوات الغازية.
الحرب العالمية الأولى. بعد الحرب العالمية الأولى
(1914-1918م) اشترطت معاهدة فرساي على الألمان تسليم مايقرب من 900 شخص للمحاكمة
كمجرمي حرب من قبل الحلفاء. وبدلاً من ذلك أقام الألمان محاكم خاصة بهم، وتمت
محاكمة 13 شخصًا، بينما صدرت أحكام خفيفة ضد القليل منهم.
الحرب العالمية الثانية. أنشأ الحلفاء خلال الحرب
العالمية الثانية عام 1943م هيئة لمجرمي الحرب تحت رعاية الأمم المتحدة والتي كان
مقرها لندن. وقد قامت الهيئة بتجميع الأدلة ووضع قائمة بأسماء المجرمين. وبعد
الحرب، كانت أهم محاكمة لمجرمي الحرب تلك التي كانت في نورمبرج بألمانيا، وفي طوكيو
باليابان. وقد اتُّهِمَ المدَّعَى عليهم بالبدء بحروب التوسع ومخالفة قواعد الحرب.
أقام الحلفاء محاكمات لمجرمي الحرب خلال الفترة (1945-1950م) فى أوروبا والشرق
الأقصى. وقامت الدول المحتلة من قبل القوات الألمانية واليابانية بمحاكمة ضباط
ومسؤولي الاحتلال. وقد قامت ألمانيا الغربية أيضًا بمحاكمة عدد من الألمان المتهمين
بجرائم حرب خلال الحرب العالمية الثانية. وقد استمرت مثل تلك المحاكمات إلى
الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي.
الحرب الكورية. اتهمت الولايات المتحدة كلاً من الصين
وكوريا الشمالية بجرائم حرب، ضد قوات الأمم المتحدة وسكان كوريا الجنوبية المدنيين،
وذلك خلال الحرب الكورية (1950-1953م). وقد عبرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن
اهتمامها الجديّ بمثل هذه الاتهامات، إلا أن الحرب انتهت بدون أي محاكمات لمجرمي
الحرب.
الحرب الفيتنامية. مع بداية عام 1965م، قامت الولايات
المتحدة الأمريكية بإرسال قواتها إلى فيتنام لمساعدة فيتنام الجنوبية ضد مقاتلي
الفيت كونج الشيوعيين وضد فيتنام الشمالية. وعندما ازدادت حدة القتال؛ اتهم كل من
الأطراف المتصارعة الآخر بانتهاك قواعد الحرب، حيث قامت الولايات المتحدة وفيتنام
الجنوبية، باتهام فيتنام الشمالية بخرق معاهدة جنيف التي تدعو إلى المعاملة
الإنسانية لسجناء الحرب والجنود المصابين، والمدنيين.
وفي عام 1969م، أُشِيَع بأن القوات الأمريكية قامت بمذبحة لمئات المدنيين في
قرية ماي لي في مارس 1968م. ونتيجة لذلك قامت الحكومة الأمريكية بإنشاء محاكم
عسكرية لمحاكمة عدد من الضباط والأفراد في جرائم حرب ارتكبوها. وقد أُدين الملازم
وليم كالي الابن حيث وجد مذنبًا لارتكابه جريمة قتل وحكم عليه بالسجن.
الحروب العربية الإسرائيلية. مارست إسرائيل ومازالت منذ
احتلالها فلسطين العربية عام 1948م جرائم حرب أثناء الحروب التي شنتها على الدول
العربية والفلسطينيين بصفة خاصة. وقد قامت إسرائيل، وماتزال بتعذيب السجناء
الفلسطينيين بشتى أنواع التعذيب والتنكيل. وطالبت بعض منظمات حقوق الإنسان في
العالم بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.
الحرب في البوسنة والهرسك. مارس الصرب في أوائل
التسعينيات من القرن العشرين أفظع الجرائم التي عرفتها الإنسانية بحق المسلمين
(أسرى الحرب والمدنيين) في البوسنة والهرسك. وقد شكلت الأمم المتحدة (مايو 1993م)
لجنة لمحاكمة المسؤولين من الصرب عن تلك الجرائم والفظائع وبدأت المحاكمات في عام
1996م. وفي 14 يوليو 1997م، حكمت محكمة الأمم المتحدة المختصة بجرائم الحرب في
البوسنة في لاهاي بمعاقبة دوسكوتا ديتشي بالسجن لمدة عشرين عامًا لارتكابه جرائم
حرب وضلوعه في عمليات اضطهاد منتظمة في حق المدنيين المسلمين في شمالي البوسنة. ثم
مثل أمام المحكمة في نفس الشهر مباركوفاسيفيتش الحاكم السابق لمدينة بربيدورا
لمحاكمته بتهم مماثلة. وفي يوليو 2001م، سلمت الحكومة الصربية رئيس البلاد السابق
سلوبودان ميلوشيفيتش للمحكمة بلاهاي لارتكابه جرائم حرب ضد سكان البوسنة والهرسك
وكرواتيا وكوسوفو إبان فترة حكمه.
الأمم المتحدة وجرائم الحرب. واجهت محاكم جرائم الحرب بعد
الحرب العالمية الثانية انتقاد بعض العلماء والقادة السياسيين الذين اعتقدوا أن
القانون الدولي لم ينص أصلاً على تلك المحاكمات. وقد أسست الأمم المتحدة في عام
1947م هيئة للقانون الدولي لوضع نظام للقوانين الدولية، منها تلك التي تختص بجرائم
الحرب. وقد أعدت الهيئة مجموعة قوانين سميت مسودة وثيقة مخالفات ضد السلام
والأمان الإنساني، إلا أن الأمم المتحدة لم تتبن مجموعة القوانين هذه بعد. وفي
تسعينيات القرن العشرين بدأت الأمم المتحدة في محاكمة الذين اتهموا باقتراف جرائم
الحرب في رواندا ودول يوغوسلافيا السابقة قبل تفككها في عام 1991م.
وفي عام 1998م، أجازت الأمم المتحدة اتفاقية إنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية
الدائمة للنظر في جرائم الحرب وغيرها. أصبحت الاتفاقية نافذة في عام 2002م بعد أن
وقع عليها 139 بلداً و73 قاضياً ورجل قانون دولي.