التصنيف
العلمي طريقة ابتدعها العلماء لترتيب الكائنات الحية في العالم في مجاميع
متماثلة. وتنطوي تلك الطريقة على ترتيب لكل الأحياء بصورة منتظمة. والتصنيف العلمي
مبني أساسًا على وجود تقارب بين كل الأحياء. وتشير تلك الطريقة الدقيقة إلى التشابه
الموجود بين مجاميع الكائنات الحية، المنقرضة منها والموجودة بيننا الآن، لدرجة
يمكن تنظيمها في مجاميع تصنيفية معينة. ويُسَمَّى العلم الذي يبحث في ترتيب الأحياء
في مجاميع معينة علم التصنيف.
والتصنيف العلمي ما هو إلا ترجمة للمعلومات. فهو مبني على الآراء والأفكار التي
يكونها علماء الأحياء بعد دراساتهم الدقيقة للعديد من عينات الكائنات الحية أو من
عينات تلك الكائنات المحفوظة بصورة سليمة في المتاحف وخلافها. ويستعمل غالبية علماء
الأحياء تقريبًا البنية الأساسية نفسها لتصنيف الكائنات الحية، ولكن لا يوجد هنالك
اتفاق عام بين كل علماء الأحياء على نظام تصنيفي واحد لمجاميع الأحياء المختلفة.
وعليه فقد يتفاوت التصنيف في العديد من الجوانب والتفاصيل عند العلماء
المختلفين.
لغة التصنيف. استخدم العلماء القدامى مصطلحات اللغة
اللاتينية واللغة الإغريقية في التصنيف. وينتمي كل كائن حي معروف إلى نوع معين.
ولكل نوع اسم علميّ مزدوج، غالبًا ما يكون بشقيه من اللغة اللاتينية أو من
اللغة الإغريقية القديمة أو من كليهما. وتُسمّى هذه الطريقة طريقة ازدواجية
الاسم، حيث يشير الاسمان إلى النوع الذي ينتمي إليه الكائن الحي.
تُعرَف الكائنات الحية بأسماء عامة متباينة في أرجاء العالم المختلفة، ولكن يوجد
لكل كائن من تلك الكائنات اسم علمي واحد فقط يعرفه به علماء الأحياء في كل بقاع
الدنيا. والمثال على ذلك: الاسم العلمي للقط الأمريكي الكبير هو Felis concolor. وهو الاسم الذي يعرفه به علماء الحيوان في كل
مكان مهما كانت لغاتهم، ولكن لدى ذلك الحيوان العديد من الأسماء العامة التي
يُعْرَفُ بها في مناطق أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية المختلفة مثل: البوما،
والكوغر وأسد الجبل والبانثر والليون، أما اسمه العلمي فهو واحد فقط رغم تعدد
أسمائه العامة.
وقد أُنشئت لجان عالمية من العلماء لوضع قوانين تحكم تسمية الكائنات الحية
تسميةً علميةً. فلبعض الاسماء العلمية للكائنات الحية سمات وصفية تصف بعض خصائص
الحيوان الذي أطلقت عليه. والمثال على ذلك الاسم العلمي للظربان المنقوط وهو
Spilogale putorius. فالكلمتان المكونتان
لذلك الاسم العلمي تعنيان في مجملهما ابن عِرْس المنقوط ذو الرائحة الكريهة.
ولكن هناك الكثير من الأسماء العلمية للكائنات الحية التي ليس لها أي صفة
وصفية.
مجاميع التصنيف العلمي. يحتوي التصنيف العلمي للكائنات
الحية على سبعة مجاميع تصنيفية هي: 1- المملكة 2- الشعبة (وأحيانًا ¸القسم· في
تصنيف المملكة النباتية) 3- الطائفة 4- الرتبة 5- الفصيلة 6- الجنس 7- النوع.
والمملكة هي أكبر المجموعات التصنيفية، بينما النوع أصغرها. ولكل كائن حي مكان محدد
معروف في المجموعة التصنيفية.
المملكة. هي أكبر وحدة تصنيفية للكائنات الحية. وحتى الستينيات من القرن العشرين
كانت هناك مملكتان للأحياء فقط متعارف عليهما بين علماء الأحياء هما: المملكة
الحيوانية والمملكة النباتية. ولكن مع التقدم الهائل الذي حدث في مجالات
دراسات التراكيب الدقيقة للأحياء والمجالات الكيميائية الحيوية للكائنات الحية،
أدرك العلماء أن نظام المملكتين في تصنيف الأحياء ليس بكاف. واليوم يتبع العلماء
نظامًا تصنيفيًا للأحياء يحتوي على خمس ممالك هي: ¸المملكة الحيوانية· و¸المملكة
النباتية· و¸مملكة الفطريات· و¸مملكة الفرطيسات· و¸مملكة المونيرا·.
والمملكة الحيوانية هي أكبر تلك الممالك إذ يوجد بها أكثر من مليون نوع معروف،
منها ما هو معروف لعامة الناس، مثل الأيائل والأسماك والحشرات وغيرها، بينما تحتوي
المملكة النباتية على أكثر من 350,000 نوع معروف، منها ما يعرفه عامة الناس، مثل
أشجار الفاكهة، ودوّار الشمس والعشب وأشجار الصنوبر والسَّرْخَس والأُشْنات. وتحتوي
مملكة الفطريات على أكثر من 100,000 نوع معروف منها فطريات عش الغراب، وعفن الخبز،
والأُشْنة.
وتحتوي مملكة البروتيستا (الفرطيسيات) على أكثر من 100,000 نوع معروف أيضًا،
منها الطحالب الخضراء والذهبية والبنية والحمراء، وكذلك الهدبيات والبوغيات
واللحميات والسوطيات. أما مملكة المونيرا التي تعرف أيضًا باسم مملكة وحيدات
الخلية أولية النواة فتحتوي على البكتيريا، بما في ذلك الطحالب الزرقاء ـ
المخضرة أو البكتيريا الزرقاء، وبها أيضًا أكثر من 100,000 نوع معروف.
الشُّعْبة أو القسم. هذه ثانية أكبر وحدة تصنيفية في نظام تصنيف الأحياء.
ويستعمل القسم في تصنيف ممالك الفرطيسات والفطريات والمملكة النباتية، بينما
تستخدم الشعبة في تصنيف المملكة الحيوانية، وليس هنالك اتفاق بين العلماء في
استعمال أي من الوحدتين التصنيفيتين في تصنيف مملكة المونيرا.
تُقَسَّمُ المملكة الحيوانية إلى عشرين شعبة أو أكثر، وكل الحيوانات ذات السلسلة
الفقرية ¸العمود الظهري· تُصَنَّفُ ضمن شعبة الحبليات، بينما تُقَسَّمُ المملكة
النباتية إلى عشرة أقسام، وكل النباتات المزهرة توجد في قسم الزهريات.
الطائفة. هناك خصائص مشتركة بين أفراد الطائفة الواحدة، أكثر مما هو بين أفراد
الشعبة أو القسم الواحد، فمثلاً تنتمي كل من الثدييات (الحيوانات اللبونة) والزواحف
والطيور إلى شعبة الحبليات، ولكن يوجد كل منها في طائفة منفردة ضمن تلك الشعبة.
تنتمي القرود الكبيرة والدببة والفئران إلى طائفة الثدييات، ويغطي جسم الثدييات
الشعر، وهي تفرز الحليب لتغذية صغارها. بينما تتكون طائفة الزواحف من السحالي
والثعابين والسلاحف المائية وغيرها، ويُغَطِّي جسم الزواحف القشور الجافة، ولا يفرز
أي منها حليبًا لتغذية الصغار.
الرتبة. توجد في الرتبة الواحدة مجاميع من الكائنات الحية بينها صفات مشتركة
أكثر مما يوجد من صفات مشتركة بين أفراد الطائفة الواحدة، ففي طائفة الثدييات
مثلاً، توجد حيوانات تفرز الحليب لتغذية صغارها. ومن بين تلك الثدييات الكلاب
وحيوانات الخُلْد والراكون والسَمَّامَة. ولكن الكلاب وحيوانات الراكون تتغذى
باللحوم وبالتالي فهي تتبع رتبة آكلات اللحوم مع بقية الحيوانات التي تأكل
اللحوم، بينما تتغذى حيوانات الخُلْد والسَمَّامَة على الحشرات، وعليه فهي تُصَنَّف
ضمن رتبة آكلات الحشرات مع بقية الحيوانات التي تتغذى على الحشرات.
الفصيلة. تتكون الفصيلة من مجاميع من الكائنات الحية التي يوجد بينها تشابه أكثر
من بين المجاميع التي تُكَوِّن الرتبة الواحدة، فالذئاب والقطط تنتمي جميعًا إلى
رتبة آكلات اللحوم، ولكن الذئاب توجد ضمن فصيلة الكلبيات، التي تحتوي على
آكلات اللحوم ذات الخَطْمِ الطويل والأذيال كثيفة الشعر، بينما تنتمي القطط إلى
فصيلة السِّنَّورِيات التي بدورها تحتوي على آكلات اللحوم ذات الخَطْمِ
القصير وذات الأذيال قصيرة الشعر.
الجنس. يحتوي الجنس على مجاميع من الأحياء متشابهة جدًا، ولكن أفراد المجموعة
الواحدة لا يمكن أن تتزاوج مع أفراد مجموعات أخرى في الجنس نفسه. يحتوي الجنسCanis على كل من ابن آوى والذئب، ولكن رغم ذلك لا تتزاوج
الذئاب وبنات آوى فيما بينها.
النوع. يمثل النوع الوحدة الأساسية في تصنيف الكائنات الحية، كما أن لدى أفراد
النوع الواحد العديد من الصفات المشتركة، ولكنها تختلف عن المجاميع الأخرى من
الأحياء في بعض الصفات. ومن أهم مميزات النوع تزاوج أفراده فيما بينها منتجة صغارًا
تشبه الوالدين كثيرًا عندما تكبر. وكذلك لا يمكن أن يطلق اسم علمي واحد على أكثر من
نوع واحد في الجنس نفسه. فالاسم العلمي لابن آوى هو Canis aureus، بينما الاسم العلمي للذئب هو Canis lupus، ولكن قد توجد مجموعات من الكائنات الحية ضمن النوع
الواحد تتباين تباينًا كافيًا عن مجموعات أخرى في النوع نفسه لدرجة أنها تُسَمَّى
نُوَيْعات أو ضروبًا.
منشأ وتطوّر التصنيف العلمي. حاول الإنسان منذ آلاف
السنين تصنيف الكائنات الحية، فقد قسم الإنسان الأول الكائنات الحية إلى مجموعتين
فقط 1- كائنات مفيدة و2- كائنات ضارة. وابتكر الناس طرقًا عديدة لتصنيف الكائنات
الحية وذلك مع تقدم معرفتهم للعديد من تلك الكائنات. وكان من أكثر الطرق المفيدة في
تصنيف الكائنات الحية في ذلك الوقت الطريقة التي ابتدعها الفيلسوف الإغريقي أرسطو
الذي عاش خلال القرن الرابع قبل الميلاد. فقد قَسَّمَ أرسطو الكائنات الألف تقريبًا
المعروفة في زمانه إلى حيوانات ونباتات. كما صنف الحيوانات إلى حيوانات ذات دم أحمر
(أي الحيوانات الفقارية) وحيوانات ليس لها دم أحمر (أي الحيوانات اللافقارية). وقد
صنف النباتات حسب الحجم والشكل إلى أعشاب وشجيرات وأشجار. واستمر نظام أرسطو ذلك
كأساس لتصنيف الكائنات الحية لنحو 2,000 عام.
في حقبة ازدهار العلوم عند العرب والمسلمين، عرف العلماء العرب أنواعًا من
التصنيفات للحيوانات والنباتات؛ فعلى سبيل المثال نجد أنهم قد صنفوا نباتات بيئتهم
تصنيفًا لغويًا في بادئ الأمر كما ظهر في مؤلفات الخليل والأصمعي وأضرابهما، ثم تبع
ذلك تصنيف عام أو نوعي كما ورد لدى ابن سينا وإخوان الصفا، كما وردت في كتاباتهم
تصنيفات وفقًا لعوامل التربة أو ما يعرف حاليًا بالمجتمعات التربية. ومن هذه
التصنيفات ما يكاد يقرب من تقسيم النبات إلى نظام الفصائل المتبع حاليًا؛ فمن ذلك
أنهم أطلقوا على الفصيلة المركبة اسم مجموعة المرار، والفصيلة الرمرامية اسم
مجموعة الحموض، والفصيلة الحمحمية اسم مجموعة الكحليات، والفصيلة
الصليبية مجموعة الحرف، والفصيلة الغرنوقية اسم مجموعة الدهامين.
كما توصل العلماء العرب أيضًا إلى نظام للتصنيف يشبه ما يعرف الآن بالتسمية
الثنائية التي بدأها السويدي كارولوس لينيوس. فقد أطلق علماء النبات العرب على كل
نبات كلمتين تشير إحداهما إلى صفة في النبات مثل حمض الخذراف، والمرار القيصوم،
وحمض الروتا وغير ذلك.
وقد اقترح عالم الأحياء الإنجليزي جون راي في القرن السابع عشر فكرة النوع لأول
مرة في تصنيف الكائنات الحية. ولكنّ التصميم الأساسي للتصنيف الحديث بدأ بالدراسات
التي قام بها عالم الطبيعة السويدي كارلوس لينيوس في القرن الثامن عشر، فقد صَنَّفَ
لينيوس الكائنات الحية حسب تركيبها، وأعطى كل نوع من الأحياء اسمًا مزدوجًا مميزًا.
وظلت المجاميع التصنيفية التي سماها لينيوس من النوع وحتى الرتبة مقبولة وصحيحة
علميًا إلى الآن. أمّا وحداته التصنيفية العليا (من الطائفة فأعلى) فقد كانت مبنية
غالبًا على تشابهات هامشية فقط. أما التصنيف الحديث للأحياء فهو مبني بصورة أكبر
على تراكيب مجهرية وكيميائية حيوية، علاوة على علاقات تطورية مزعومة بين الكائنات
الحية. ويظل علم
التصنيف في تقدم مستمر مع التقدم في علوم الأحياء.