أولاً: ترجمة الإمام الشافعي:
1-نسبه:
هو
أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد
بن عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المكي . يلتقي
مع النبي صلى الله عليه وسلم في جد جد النبي عليه الصلاة والسلام عبد مناف
. وكان والد جد جده السائب صحابي من أشبه الناس برسول الله عليه الصلاة
والسلام .
2-مولده ونشأته:
ولد الإمام الشافعي في غزة سنة خمسين ومئة للهجرة النبوية , وهي سنة وفاة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان .
وكان أبوه إدريس قد خرج إلى الشام طلباً للرزق, وكان قليل ذات اليد , فتوفي و ابنه في المهد فعادت امه به إلى مكة وهو ابن سنتين .
وأقبل في فتوه على الرمي حتى فاق فيه الأقران , وصار يصيب من عشرة عشرة.
3- طلبه للعلم ورحلاته :
قال
الشافعي عن نفسه " كنت يتيماً في حجر أمي , فدعتني إلى الكتاب , ولم يكن
لديها ما تعطي المعلم , وكان المعلم قد رضي أن أخلفه إذا قام, فلما جمعت
القرآن الكريم دخلت المسجد, فكنت أُجالس العلماء, وكنت أسمع الحديث
والمسألة فأحفظها . ولم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به القراطيس, فكنت
أنظر إلى العظم فآخذه, فأكتب فيه, فإذا امتلأ طرحته في جرة,فاجتمع عندي
جرة ضخمة."
وقد بلغ من جِد الشافعي ونبوغه أنْ حفظ القرآن كاملاً وهو ابن سبع سنين, و موطأ مالك في سن العاشرة.
وكان
أول أمره في طلب العلم الشِعر وأيام الناس و الأدب, حتى برز فيها؛ وطاف في
بادية هذيل يتلقف اللغة عن أعرابها حتى غدا من الفصحاء.
4- قدوم الشافعي إلى مصر:
قدم
الشافعي قدمته الثالثة والأخيرة إلى العراق سنة(198ه), فأقام بها أشهراً,
ثم قرر أن يذهب إلى مصر, وفي ذلك يقول أحمد بن حنبل : لقيت الشافعي فقلت :
يا أبا عبد الله ! أين تريد؟ فأنشأ يقول:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها أرض المهامه والقفر
فو الله لا أدري: أللفوز والغنى أُساق إليها, أم أُساق إلى الــــقبر
قال الربيع: فو الله ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعا.
5-مرض الشافعي وصيته لأصحابه ووفاته :
قال
الربيع بن سليمان: "أقام الشافعي ههنا أربع سنين, فأملى ألفاً وخمسمئة
ورقة, وخرج "كتاب الأم" ألفي ورقة, وكتاب السنن, وأشياء كثيرة؛ كلها في
أربع سنين.
وكان عليلاً شديد العلة, فكان ربما يخرج الدم منه وهو الراكب, حتى تمتلئ سراويله ومركبه وخفه."
وحين
دخل عليه أصحابه في مرض موته قالوا له: كيف أصبحت؟؟ قال: أصبحت من الدنيا
راحلا, ولإخواني مفارقا, ولسوء أفعالي ملاقيا, ولكأس المنية شاربا, فو
الله ما أدري: أروحي إلى الجنة تصير فأُهنيها, أو إلى النار فأُعزيها,
وأنشد:
إليك إله الخلق أرفــع رغبتـــي وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سُلمــــــا
تعاظمني ذنبي فلمـــا قرنتـــــه بعفوك ربي كان عفوك أعظمــــــــا
فلولاك لم يقدر لإبليس عابــــد فكيف وقد أغوى صفيك آدمـــــــــا؟
فإن تعفُ عني تعفُ عن متمرد ظلوم غشوم ما يُزايل مأثمــــــــــــا
وإن تنتقم مني فلست بـــــــآيس وعفوك, يا ذا العفو, أعلى وأجسما
إني لآتي الذنب أعرف قـــدرت وأعلم أن الله يعفــــــــو ترحمــــــا
فقال له المزني: يا أبا عبد الله, رحمك الله عظني. فقال:
اتق
الله,ومثل الآخرة في قلبك,واجعل الموت نصب عينيك, ولا تنس موقفك بين يدي
الله, وخَفْ من الله عز وجل , واجتنب محارمه, وأد فرائضه, وكن مع الله حيث
كنت, ولا تستصغرن نِعم الله عليك وإن قلَت، وقابلها بالشكر, وليكن صمتك
تدبرا, وكلامك ذكرا,ونظرك عِبرة, اعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من
أساء إلى من أساء إليك, واصبر على النائبات, واستعذ بالله من النار
بالتقوى .
فقلت زدني, رحمك الله، يا أبا عبد الله !
فقال: ليكن
الصدق لسانك, والوفاء عمادك, والرحمة ثمرتك, والشكر طهارتك, والحق
تجارتك,والتودد زينتك, والكياسة فطنتك، والطاعة معيشتك, والرضا أمانتك,
والفهم بصيرتك، والرجاء اصطبارك, والخوف جلبابك, والصدقة حرزك، والزكاة
حصنك, والحياء أميرك، والحِلْم وزيرك، والتوكل درعك، والدنيا سجنك، والفقر
ضجيعك، والحق قائدك، والحج والجهاد بُغيتك, والقرآن مُحَدِثك بحُجَتك,
والله مؤنسك, فمن كانت هذه صفته كانت الجنة منزلته .
قال الربيع: فتوفي ليلة الجمعة بعد المغرب, ودفن يوم الجمعة بعد العصر, آخر يوم من رجب، سنة( 204هـ ), وهو ابن أربع وخمسين سنة .
6- أولاده :
أولاد
الشافعي ذكران وهما : محمد أبو عثمان، وكان قاضياً على حلب والجزيرة، وأبو
الحسن. وأُنثيان وهما: فاطمة،زينب. وقد مات ابنه أبو الحسن في حياته .
7- ثناء العلماء عليه:
قال مالك بن أنس : ما يأتيني قُرشي أفهم من هذا الفتى- يعني الشافعي-
وقال أحمد بن حنبل: ما صليت صلاةً إلا وأنا أدعو للشافعي .
وقال أيضاً: ما رأيت أتبع للأثر من الشافعي .
وقال : لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث.
وقال محمد بن الحسن الشيباني : إن تكلم أصحاب الحديث فبلسان الشافعي .
وذكر يحيى بن سعيد الشافعي فقال: ما رأيت أعقل ولا أفقه منه.
وقال الحميدي: سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي: أفتِ يا أبا عبد الله, فقد والله , آن لك تُفتي وهو ابن خمس عشرة سنة .
وقال أيوب بن سويد الرَّملي: ما ظننت أنِّي أعيشُ حتِّى أرى مثل الشافعي.
قال
محمد بن اسحاق الصَّنعاني: سألت يحيى بن أكثم عن الشافعي فقال: كُنَّا عند
محمد بن الحسن في المناظرة كثيراً، فكان الشافعي رجلاً قرشي العقل والفهم
والذهن، صافي العقل والفهم والدماغ، سريع الإصابة، ولو كان أمعن في الحديث
لاستغنت به أُمة محمد عليه الصلاة والسلام عن غيره من العلماء.
وغيرهم الكثير الكثير.
8- أشهر شيوخه وتلامذته:
أخذ
الشافعي عن كثير من العلماء والشيوخ، نذكر منهم: ابراهيم بن سعد الزُّهري,
واسماعيل بن ابراهيم بن عُليَّة, واسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين, وأيوب
بن سويد الرَّملي, وسعيد بن مسلمة الأموي، وسفيان بن عُيينة، وعبد الله بن
المبارك المروزي، وعبد الله بن أبي الزناد بن ذكوان، وعبد الرحمن بن عبد
الله بن عمر العُمري، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وعبد العزيز
بن محمد الدراوردي، والفضيل بن عياض، والقاسم بن عبد الله بن عمر العُمري،
ومالك بن أنس الأصبحي، ومحمد بن اسماعيل بن أبي فُديك، ومحمد بن الحسن
الشيباني، ومحمد بن العباس الشافعي، ومحمد بن عمر الواقدي، ووكيع بن
الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، ويوسف بن يعقوب بن الماجشون. توالي
التأسيس:ص \62-71 بتصرف.
وأخذ عن الشافعي كثير من الطلاب، نذكر منهم:
ابراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور, واسماعيل بن يحيى المُزَني، وأحمد بن
الحجاج المروزي، وأحمد بن سنان القطان، وأحمد بن خالد الخلال البغدادي،
وأحمد بن سعيد بن بشير الهمذاني، وأحمد بن سنان القطان، وأحمد بن صالح
المصري، وأحمد بن عبد الله المكي المقرئ المعروف بقنبل، وأحمد بن عبد الله
بن وهب، وأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، و ابراهيم بن عبد الله الحجَبي
المكي،و اسحاق بن راهويه، وأسد بن سعيد بن كثير بن عفير المصري، وأيوب بن
سعيد الرَّملي، والحسن بن ادريس الخولاني، والحسن بن محمد الزعفراني،
والحسين بن علي القلاس، والحسين بن علي الكرابيسي، والربيع بن سليمان بن
داوود المُرادي. مناقب الشافعي للبيهقي:2\329-332 بتصرف .
9- مصنفاته:
درجت
عادة الكتب القديمة على جعل كل كتاب فقهي من كتاب الأم , كتاباً مستقلاً،
مما جعل كتب الشافعي تزيد على مئة كتاب. ولكن الحق جعل هذه الكثرة الكاثرة
من الكتب المستقلة كتاباً واحداً بعد طبعه كذلك, لا كما كان معروفاً
قديماً على شكل أجزاء وملازم .
ومن هذه الكتب: كتاب الأم,الرسالة, أحكام القرآن, واختلاف الحديث، السنن, المسند. وكلها مطبوعة ومتداولة.
ثانياً:دراسة شعره
على
الرغم أنَّ الشافعي ليس بشاعر, ولم يتقصد الشعر, إلا أن الشعر خرج على
لسانه عَفوَ الخاطر, عَذب اللفظ, سهل الإيقاع. ولعل هذا سببه وجود الملكة
الشعرية الأدبية, وحضور الحافظة الثريَّة .
وعلى الرغم من أنَّ ما وصلنا عن الشافعي قليل بالقياس مع ما تمثل به،إلا أنه يعبَّر عن شخصه وأدبه:
قليل منك يكفيــــني ولكــــــــن قليلك لا يُقال لــــــــــــــــه قليــــــــــــــل
حيث
يغلب على شعره الطابع الوعظي الحكمي، وهذا هو الشائع في شعر الفقهاء, حيث
تضطره الحادثة أن ينشد فيها بيتاً أو أبياتاً ليرسخ المعنى الذي يريده,
ويعمل على إشاعته وانتشاره,شأنه في ذلك شأن منصور الفقيه,و عبد الله بن
المبارك,وبشر الحافي.
ونلخص إلى القول: إن السهولة التي طبعت شعر
الشافعي كانت سبباً من أسباب قبوله وانتشاره، وعاملاً مؤثراً في ذلك.
وربما كان حبُّ الإمام و اتِّباع مذهبه سبباً آخر من أسباب الإقبال عليه
والحرص على حفظه. وعلى كلٍّ فإن شعره يستحق هذا الاهتمام والاحترام.