هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الموقع الشخصي للكاتب المصري سيد مبارك ( بث مباشر للقنوات الإسلامية - مواقع إسلامية - مكتبة إسلامية شاملة - برامج أسلامية - القرأن الكريم وعلومه)
مؤلفات الشيخ سيد مبارك أطلبها من المكتبة المحمودية بالأزهر الشريف- مكتبة أولاد الشيخ بفيصل- مؤسسة قرطبة بالهرم...مؤلفات الشيخ سيد مبارك أطلبها من المكتبة المحمودية بالأزهر الشريف- مكتبة أولاد الشيخ بفيصل- مؤسسة قرطبة بالهرم
التنوير الإسلامي والتنوير العلماني د. عبد الفتاح سعيد
كاتب الموضوع
رسالة
الشيخ سيد Ù…Ø¨Ø§Ø صاحب الموقع
عدد الرسائل : 2210 العمر : 63 العمل/الترفيه : كاتب اسلامى تاريخ التسجيل : 07/12/2008
موضوع: التنوير الإسلامي والتنوير العلماني د. عبد الفتاح سعيد يونيو 17th 2012, 6:33 am
يجتر العلمانيون والتغريبيون كثيرًا مصطلحات مثل: "التنوير" و"الاستنارة"، ليعبروا عن الحالة الثقافية التي يريدونها أن تنتشر في العالم العربي والإسلامي، ناقلين هذه المصطلحات من بيئتها ومحضنها الغربي الأوروبي إلى بلادنا ذات السمات الثقافية والأخلاقية والقيمية المعروفة.
والأدهى والأمر من ذلك، أن هؤلاء العلمانيين والتغريبيين العرب، لا يكتفون بوظيفة "مندوبي تسويق المصطلحات الغربية"، وإنما يتطاولون على الإسلام والثقافة الإسلامية، واصفين إياها بعكس "التنوير" و"الاستنارة" وهي: "الظلام" و "الظلامية".
ومن جانبها، أخذت وسائل إعلامنا ومؤسساتنا الثقافية الرسمية تتناقل هذه المصطلحات وتروِّج لها، حتى انتشرت بين الناس، وشكلت لهم شبهة قوية صدقها بعضهم، بأن الثقافة الإسلامية ثقافة "ظلامية" في مقابل الثقافة الغربية "المستنيرة".
ولتفنيد هذه الشبهة نؤكد بداية أن "مصطلح التنوير"، بمفهومه ودلالاته وسياقه التاريخي الغربي، والتوظيف الثقافي والفكري الغربي له، وكذلك التوظيف العلماني العربي له، والانهزامية أمامه وأمام مدلوله، يجعل القضية تسير في مسارين محددين.
ـ المسار الأول: أن السياق التاريخي لقضية التنوير هو سياق عالمي، لا يخص أوروبا والغرب فقط، وإنما هو نموذج ينبغي أن تسير فيه كل شعوب العالم، مثلما سارت في ركب الحضارة الغربي المعروف، واتبعته وقلدته.
ـ المسار الثاني: أن المسلمين يعيشون في تخلف وظلامية بسبب دينهم، ولن يتقدموا إلا إذا انتصروا على مؤسستهم الدينية، كما انتصر الغرب على الكنيسة.
هذان هما المساران اللذان يريد الغرب، وأتباعه من العلمانيين العرب، أن يفرضاهما على حركة النقاش والجدل الثقافي والفكري الخاص بقضية النهضة الإسلامية.
* ولكن هل السياق التاريخي لقضية التنوير هو سياق عالمي فعلاً؟
الواقع يؤكد كذب وزيف هذا الادعاء وبطلانه، فهذا السياق كان سياقًا أوروبيًا خاصًا وخالصًا، ولا يخص أي شعوب أو أمم أو حضارات أخرى.
فالتاريخ متاح ومعروف للجميع وهو يؤكد أن أوروبا عاشت ما تسميه هي بـ "عصور الظلام"، وكان السبب وراء هذا الظلام هو منظومة الكنيسة ورجال الدين والآراء والمعتقدات التي فرضوها على العقلية الأوروبية وأجبروا الأوروبيين على اعتقاد صحتها، ومن يتمرد عليها أو يرفضها كان جزاؤه الحرمان من رحمة الكنيسة والطرد من رحمة الله والحرمان من صكوك الغفران.
بل إن الكنيسة كانت أكثر فسادًا وضلالاً من كل ذلك، فقد تحالفت مع الملوك والأمراء من أجل أن يصلوا إلى مناصبهم السياسية، فكان الواحد منهم لا يجلس على عرشه إلا بقرار من الكنيسة، ولكي يرد الأباطرة والملوك الجميل للكنيسة، كانوا يقتلونه أو يحرمونه من رحمة الله بقرار سياسي.
وظل هذا الفكر الأسود مسيطرًا على القارة الأوروبية لقرون طويلة في العصور الوسطى، ولم يختف إلا بظهور نور الحضارة الإسلامية ووصوله إلى أوروبا عن طريق أسبانيا وصقلية والاحتكاك المباشر في الحروب الصليبية.
أما الادعاء بأن المسلمين يعيشون في تخلف وظلامية بسبب دينهم، وأنهم لن يتقدموا إلا إذا انتصروا على مؤسستهم الدينية، كما انتصر الغرب على الكنيسة، فهذا منتهى التضليل والإضلال، فالعالم الإسلامي لم يحدث فيه شيء من ذلك، ولم يحدث فيه هذا التحالف غير الأخلاقي، وهذا الانحطاط الديني والثقافي، بل إن الإسلام هو الذي حرر العقل والضمير ودعا إلى العلم، وما قامت حضارة العرب إلا على الدين، عكس أوروبا التي قامت حضارتها على أنقاض الدين.
لما وصل العلم الإسلامي إلى أوروبا احتضنه، وأقبل عليه كثير من العلماء في العلوم الطبيعية، خاصة بعد أن قارنوا بينه وبين ما تدعو إليه الكنيسة، فوجدوا أن حقائق العلم الإسلامي على النقيض مما تدعوهم إليه الكنيسة من آراء تقول إنها نزلت من السماء وتدعي لها العصمة.
وعلى هذه الأرضية المنهجية التي تأسست على نور الإسلام والمنهج العلمي الإسلامي، ظهر كوبرنيق ورأيه في مركز الكون وهل هو الأرض أم الشمس، فقد كان هذا أول لقاء مباشر بين الموقف العلمي والموقف الكنسي، والموقف هنا كنسي وليس دينيًا، وظهر كذلك جاليليو القائل بكروية الأرض، وظهر غيرهما الكثير من العلماء الأوروبيين.
وأخذ هؤلاء العلماء يتساءلون: كيف تكون الآراء التي تدعوهم إليها الكنيسة وحياً نزل على عيسى من السماء بينما العلم ينقضها، فقالوا إلى من نحتكم؟ إلى العلم الذي اختبرته عقولنا فوجدته صحيحا أم إلى ما يدعونا إليه رجال الكنيسة؟.
وهنا بدأ الرفض لآراء الكنيسة ورجال الدين، واستمرت هذه الظاهرة قرابة نصف قرن من الزمان ثم انسحبت كلمة الكنيسة من الصراع وحل محلها كلمة الدين، وأصبحت القضية هي الصراع بين العلم والدين وليست الصراع بين العلم والكنيسة. وأصبحت كلمتا العلم والعلماء رمزًا للنور الجديد ورمزا للتنوير ضد الجهل وضد الخرافة وضد الرجعية.
وقد لاقى كثير من العلماء القتل والحرق والطرد من الأوطان، ومن رحمة الكنيسة نتيجة اعتقادهم بحقائق العلم ورفضهم لخرافات الكنيسة. ثم جاءت الثورة الفرنسية وكان لها دور كبير في إزكاء الصراع بين العلم والدين كما انضمت الطبقات الكادحة إلى الثورة ضد رجال الدين. وفي بحث الثورة الفرنسية عن التنوير ضد ظلام الكنيسة ظهرت مفاهيم جديدة مثل الحرية، الديمقراطية، الدستور.. إلخ. ونظرت الثورة الفرنسية إلى كتاب جان جاك روسو "العقد الاجتماعي" فجعلته إنجيل لها؛ لأنها لم تجد في تراث وفكر الكنيسة في ذلك الوقت ما يعيد للإنسان كرامته ويعطيه حقوقه الاجتماعية والدينية والسياسية.. وبدأت كلمة التنوير تشيع على الألسنة تدريجيًا.
وإذا كان مؤسسو المشروع العلماني العرب قد انهزموا أمام هذا النموذج الغربي من "التنوير" فهم أحرار، وهم في نفس الوقت مساكين وجهلة لأنهم لم يقفوا على الثقافة الإسلامية الصحيحة، التي أسست للمشروع الإسلامي في "التنوير".
ولم يكن غريبًا أن تظهر كتب "تحرير المرأة" لقاسم أمين، و"ما هي النهضة" لسلامة موسى، و"ابن رشد" لشبلي شميل، و"مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين، و"الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق .. إلخ، التي هي امتداد لمشروع "التنوير الغربي".
أما المشروع الإسلامي في "التنوير" فقائم على أن الإسلام مصدر لتنوير القلب والعقل والمجتمع، ففي المجال الثقافي نجد أن القرآن يضع مصدرين أساسيين لتثقيف الشعوب، وهما العلم والعقل، فهو يدعو إلى العلم والأخذ به واعتماد نتائجه وأن من يتركه فقد ترك حظه من الدين. كما جعل القرآن أحكام العقل في عالم الشهادة أحكاما قاطعة في الوقت الذي تكون فيه الأحكام في عالم الغيب مصدرها الوحي.
لكن هناك فارق كبير بين العلم في الفلسفة الإسلامية والعلم في الفلسفة الأوروبية، فالفلسفة الأوروبية تعتمد العلم وتحصره في عالم المحسوسات وترى المادة هي الفاعلة أولا وثاني، أما في المشروع الإسلامي فنحن نؤمن بأن الأسباب فاعلة ونؤمن في نفس الوقت أن الذي جعل الأسباب فاعلة هو الله الذي لو شاء لنزع الأسباب خاصية الفعل فتتعطل السنة الكونية لتقع المعجزة على أيدي الأنبياء أو الكرامة على أيدي الأولياء.
كما أكد الإسلام على المستوى الاجتماعي مبدأين هامين هما الحرية والمساواة، ومن أهمل في واحد منهما فقد فاته حظه من الدين. فالحرية في الإسلام حق مكتسب للشعوب وليست منحة من حاكم. حتى أن الهجرة في الإسلام كانت مدخلاً للهروب من الظلم، وكذلك كانت المساواة من المبادئ الهامة التي طبقها الإسلام، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
وعلى المستوى السياسي أكد الإسلام مبدأين هامين أيضا هما العدل والشورى. * فهل أخذت أمة من الأمم بهذه المبادئ الستة وهي العقل والعلم والحرية والمساواة والعدل والشورى وتأخرت؟!!
لواء الشريعة
التنوير الإسلامي والتنوير العلماني د. عبد الفتاح سعيد