تنبيهات هامة لمن يريد التداوي
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي من اصطفي..وبعد
قبل الشروع في بيان الداء والدواء لبعض الأمراض المنتشرة بيننا مع بيان كنوز صحية من روائع الطب النبوي للعلاج و الوقاية من كثير من الأمراض ننبه لأمرين علي جانب عظيم من الأهمية .
الأمر الأول :أن العلاج من أمراض الأبدان لا ينافي التوكل علي الله , وإهمال التداوي من المسلم بحجة التوكل ضلال فكري لا يقوم علي دليل شرعي بل الشرع يرفضه..
قال ابن القيم في الزاد( 4/12) :
وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ، ولا توكله عجزاً .
وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع.اهـ
الأمر الثاني:إن أمر النبي صلي الله عليه وسلم للمسلمين بالتداوي ليس معناه إباحة التداوي بالمحرم لأدلة منها:
-حديث ابن مسعود موقوفا عليه قال النبي صلي الله عليه وسلم "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم "-أخرجه البخاري معلقاً وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة ح/1633
- وعن ابن مسعود قال صلي الله عيه وسلم "أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"- وصحح الألباني إسناده في غاية المرام ح/67
-وعن طارق بن سويد : أنه سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه, أو كره أن يصنعها فقال : إنما أصنعها للدواء , فقال : إنه ليس بدواء ولكنه داء"-أخرج مسلم في الأشربة ح/ 1984
قال ابن القيم في الزاد ( 4/141):
المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً وشرعاً ، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها ، وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " [ النساء : 160 ] ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ، ولحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله
فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب .
وأيضاً فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع ، وأيضاً فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء .اهـ
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل