داء الغضب
الغضب آفة هذا الزمان والكثير من الناس يغضب لأتفه الأسباب وربما يغضب للمعصية وطاعة الشيطان ولا يغضب لانتهاك حرمات الله تعالى والخروج عن حدوده .
وهو السبب في فقد أعصاب الزوج أو الزوجة فتحدث المشاكل ويتفرقان بالطلاق ويتشرد الأطفال , وهو السبب في عقوق الأبناء للآباء والأمهات بسبب المال وحب الدنيا , وهو السبب في أذى الجار لجاره بحق وبدون حق , كما أنه يؤدي إلى الحقد والحسد الذي يشتعل في قلوب بعض العباد .. الخ .
يقول أبو حامد الغزالي في تعريفه: (الغضب معناه غليان دم القلب لطلب الانتقام , فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلي به دم القلب , وينتشر في العروق , ويرتفع إلى أعالي البدن , كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر , ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة .. ) -أنظره إحياء علوم الدين (3/ 167 )
ولخطورة داء الغضب فلا بد من معرفة آفاته حتى ندرك دواؤه وطريقة علاجه .
- درجات الغضب
لقد قسم العلماء الغضب إلى ثلاث درجات : " التفريط والإفراط والاعتدال "
-التفريط :بمعنى فقدان حمية الغضب نهائياً فلا يغضب العبد لانتهاك حرمات الله كمن يرى في بيته من وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحمو ( كشقيق الزوج وابن أخيه .. الخ) وفي خلوة محرمة مع زوجه فيرى ذلك أمراً عادياً فهذا كله تفريط . والسؤال :
أين الغيرة على الحرمات ؟ !!
أين الغضب لانتهاك الخصوصيات ؟!!
قال تعالى : (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ... ) ( الحج : 30 ) .
-الإفراط : وهو الغضب لأتفه الأسباب دون فكر أو نظر فإن شدة الغضب في هذه الحالة إفراط مذموم ويؤدي إلى عواقب وخيمة .
وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فما تعدون الصرعة فيكم قال قلنا الذي لا يصرعه الرجال قال ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب "- جزء من حديث أخرجه مسلم في البر والصلة ح/2608, وأبو داود في الأدب ح/4181
-الاعتدال: اعلم أن التفريط في الغضب ضياع لحقوق الله والعباد , والإفراط في الغضب آفة تؤدي إلى عواقب وخيمة , وخير الأمور الوسط ، والاعتدال في الغضب أن يملك المرء نفسه فيكون حليماً عندما يغضب لله ويعفو ويكظم غيظه لله تعالى فلا يصل للإفراط فيؤذي من حيث يريد الإصلاح .
-وها هو ابن مسعود رضي الله عنه يعطينا درساً في الحلم والاعتدال , فقد سرقت له دراهم فأخذ أصحابه يدعون على من أخذها , فقال : اللهم إن كان حملته على أخذها حاجة فبارك له فيها , وإن كانت حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه .
أسباب الغضب:
أسباب الغضب كثيرة مثل الزهو والكبر , والفخر والعجب , التعيير , شدة الحرص على المال والجاه , والجدال والمزاح .. وغير ذلك .
وعلى العبد إن أراد العلاج والدواء أن يتجنب الوقوع في هذه الأسباب وأن يتذكر دائماً قول الله تعالى عند إحساسه بالغضب : (وسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ والأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ( آل عمران)
فيأمل أن يكون من المتقين ومن أهل الجنة.
دواء وعلاج آفه الغضب :
أعلم أن الدواء والعلاج سهل وهين وفي السنة الصحيحة الكثير من طرق العلاج النافع أن شاء الله ما لم يتمادى المرء فيصبح الدواء عديم الفائدة وتأثيره محدود فمن أراد العلاج حقاً أخلص النية عند الشروع في تعاطي الدواء لله تعالي حتى لو كان الدواء مراً وصعباً على النفس , وهاهي بعضاً من الأدوية والله المستعان . 1-يتفكر فيما ورد في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم:
كما قال تعالي :الَذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والْكَاظِمِينَ الغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (134)) ( آل عمران)
فيرغب في ثواب ذلك وتمنعه رغبته في الأجر عن الانتقام عسي أن يكون من المحسنين بكظم غيظه , والعفو عن الناس .
2-الاستعاذة من الشيطان
-لحديث سليمان بن صرد قال :كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان فقال وهل بي جنون " – أخرجه البخاري في بدء الخلق ح/3282, ومسلم في البر والصلة ح/2610
قال النوي قي شرح حديث مسلم : قوله صلى الله عليه وسلم في الذي اشتد غضبه : ( إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان , وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , وأنه سبب لزوال الغضب . وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه : هل ترى بي من جنون ؟ فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى , ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة , وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون , ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان , ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله , ويتكلم بالباطل , ويفعل المذموم , وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب , لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال له : أوصني قال : " لا تغضب " فردد مرارا قال " لا تغضب " فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب , وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه . ويحتمل أن هذا القائل : هل ترى بي من جنون كان من المنافقين , أو من جفاة الأعراب . والله أعلم .اهـ
3-أن يغير المرء من هيئته:
فإن كان قائماً فليقعد وإن كان قاعداً فليضجع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع "- صحح الألباني إسناده في صحيح سنن أبو داود ح/4782-وهو في صحيح الجامع ح/694
4-السكوت والحذر من آفات اللسان :
لقوله تعالي " مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) "-ق
ولقول النبي :" ذا غضب أحدكم فليسكت . "- أخرجه السيوطي من حديث ابن عباس- وصحح الألباني إسناده في صحيح الجامع ح/693
فعند الغضب لا يملك المرء أربه فيسب ويغتاب ويتكلم الشيطان علي لسانه بكل ما يسخط الله تعالي عليه .. ومن ثم فالسكوت هنا من أنفع الأدوية إلا أن يقول خيراً لقوله :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ..."-أخرجه البخاري في الرقاق ح/6475, ومسلم في الإيمان ح/47