الشيخ سيد Ù…Ø¨Ø§Ø صاحب الموقع
عدد الرسائل : 2210 العمر : 63 العمل/الترفيه : كاتب اسلامى تاريخ التسجيل : 07/12/2008
| موضوع: نور السماوات والأرض بقلم: الشيخ أبي الوفاء محمد درويش - رحمه اللَّه أبريل 25th 2012, 11:03 pm | |
|
نور السماوات والأرض بقلم: الشيخ أبي الوفاء محمد درويش - رحمه اللَّه -----------------------------------
النور في اللغة: هو الضوء المنتشر الذي يعين على رؤية الأشياء، وهو عامل خارجي عن العين يؤثر في أعصابها تأثيرًا يعبر عنه بالإبصار. وقد اتسع محيط علمنا بالضوء في العصور الحديثة اتساعًا عظيمًا بفضل هداية اللَّه تعالى طائفة من العلماء، أنار بصائرهم، ووفقهم إلى كشف كثير من الحقائق العلمية التي تتصل بالضوء، والتي كانت تخفى على البشر، في العصور الماضية. ومما أجمع العلماء عليه: أن العين لا ترى جسمًا إلا بما يصل إليها من ضوئه، سواء أكان ضوؤه ذاتيًا أم مرتدًا: أي منعكسًا عن الجسم من آخر، والانعكاس هو الوسيلة إلى رؤية الأشياء التي تضيء بذاتها. ومما اتفق عليه أكثر العلماء: أن هناك شيئًا يملأ الفضاء، وهو وسيلة انتشار الضوء، وذلك الشيء هو المسمى بالأثير. وهو مرن، عديم الذرات، قليل الكثافة، لا تدركه الحواس، يتخلل جميع الأجسام، وينفذ فيها، مهما تكن كثافتها أو صلابتها وهو مائج مذبذب دائمًا، وأمواجه هي التي تنقل الضوء إلى الأبصار إذا بلغت عددًا معينًا في الثانية، فإذا زاد عددها أو نقص عجزت الأبصار عن رؤية ما ينقله إليه من الضوء. هذا وقد كشف العلماء أن ضوء الشمس مركب من سبعة ألوان مرتبة على هذا الوضع: الأحمر، فالبرتقالي، فالأصفر، فالأخضر، فالأزرق، فالنيلي، فالبنفسجي. واختلاف عدد أمواج الأثير أو ذبذباته في الثانية، هو الذي يؤثر في شعورنا بهذه الألوان، وقرروا أن هناك أشعة لا تدركها أبصارنا،وهي الأشعة تحت الحمراء، وفوق البنفسيجية، وقد دلت عليها العلماء آلات خاصة هدوا إلى ابتكارها من عهد قريب. وقد التقطت هذه الآلات أشعة لا يعرف مصدرها فسماها العلماء الأشعة الكونية، وقرروا أيضًا أن سرعتها في الفضاء هي 186 ألف ميل في الثانية تقريبًا. وهناك حقائق أخرى كثيرة تتصل بالضوء ضربنا عنها الذكر صفحًا إذ كان إدراكها يشق على من لم يتمرسوا بالعلوم الطبيعية. وقد صار الضوء علمًا مستقلاً يدرس في المدارس له مبادؤه وقوانينه وأجهزته، وإنما ألمحنا إلى الحقائق التي ألمحنا إليها لنبيّن للقارئ الكريم أنه كلما زاد إلمام الناس بقوانين الضوء اتسع فهمهم لمعنى اسمه تعالى ( نور السموات والأرض ). هذا والنور نوعان: حسي ومعنوي وكل ما كتبناه إلى الآن إنما هو في النور الحسي، أما النور المعنوي: فهو نور العقول والأذهان والبصائر والأفهام، ونور الهداية والإرشاد المستمد من الكتب السماوية، وحكم الأنبياء والمرسلين، وتعليم الهداة والمرشدين. قال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ}. هذا وكل نور حسي أو معنوي في السماء والأرض،وفي الدنيا والآخرة، فرب العزة سبحانه هو موجده، ومن أجل ذلك أخبر سبحانه عن نفسه أنه نور السموات والأرض، أي منورهما بما خلق ودبر ووهب ومنح من أنوار حسية ومعنوية،وبما هدى وأرشد وأوحى وألهم. سمى نفسه نور السموات والأرض مبالغة: لأن هذا النور لا يملكه غيره، ولا يقدر عليه سواه. ولو اجتمع من في السموات ومن في الأرض على أن يوجدوا ومضة نور أو شعاعة ضوء ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. إن في اختراع النور الحسي لآية بينة على القدرة التي لاحد لها، والعلم الذي لا نهاية له، والحكمة التي لا غاية لها. ماذا يكون مصير هذا العالم لو ساده الظلام، ولم يشرق فيه نور؟ ماذا يكون مصير النبات والحيوان والإنسان لو لم يكن في هذا العالم نور يستمد منه النبات لونه ونماءه، ويستمد منه الحيوان نموه وقوته ويهتدي به إلى ضرورياته، ويزاول فيه الإنسان عمله الذي تعتمد عليه حياته؟ ولقد جعل اللَّه السماء مصدر النور الطبيعي، وهدى أهل الأرض إلى اختراع نور يستعيضون به عن ضوء السماء إذا احتجبت الشمس، فجعل النار مصدر النور، وجعل من الأجسام ما يتصل بالنار أي يحترق فيبعث النور، كالخشب والفحم والزيت والنفط والشمع وغيرها من الأشياء التي إذا اتصلت بالنار أشعت نورًا يمحو الظلام عن المكان الذي يريد الإنسان أن ينوره. ولقد هدى سبحانه أخيرًا إلى الاستضاءة بالكهرباء الناشئة من تحاك بعض الأجسام، أو تفاعل بعض العناصر، فإذا مرت بسلك دقيق من فلز معروف، موضوع بنظام خاص، في زجاجة مفرغة، توهج السلك، وأحدث ضوءًا قويًا أو ضعيفًا طوعًا لحجمه. وهذه آية من آيات اللَّه ظلت خفية أحقابًا متطاولة، ثم جلاها سبحانه لوقتها، حين هدى بنوره إليها من وفقه إلى كشفها. ولقد هدى اللَّه سبحانه الإنسان منذ القرون الأولى إلى أن احتكاك الصوان بقطعة من الصلب تحدث شررًا. فكان يتلقى هذا الشرر في مادة قابلة للاحتراق فتشتعل وتحدث النار والنور. وكان قد هداه من قبل ذلك إلى أن احتكاك أغصان الشجر بتأثير الريح العاصف يحدث النار والنور، فكان يحاكي الطبيعة ويعرك قضيبين من الحطب بعضها ببعض فيشعل النار ويبعث النور. وقد منح اللَّه الإنسان والحيوان والطير والحشرات أبصارًا تدرك النور، وتبصر ما يقع عليه أو يرتد عنه. وماذا يكون الشأن لو خلق اللَّه النور، ولم يخلق الحاسة التي تدركه، وماذا يكون الشأن لو خلق الحاسة التي تدرك النور حيث لا نور؟ ولكن نور السموات والأرض خلق النور، وخلق الحاسة التي تدركه، فتمت الفائدة، وتحققت الحكمة، وقامت الحجة. وأعود فأقول: إن ابتداع النور لأمر رائع، ونبأ عظيم، وما أبلغه دلالة على القدرة الشاملة، والعلم الواسع، والحكمة البالغة ! ما الشأن لو أن الدنيا كلها ظلام دامس، وليل سرمدي لا يعقبه نهار ولا صبح ولا مساء؟ إن اختراع الغريزة والذهن، والفكر والعقل، والبصيرة والوجدان، وهي مصادر الأنوار المعنوية، لآية بينة على قدرة الخالق المبدع، وواسع علمه وبالغ حكمته، وعلى أنه نور السموات والأرض والدنيا والآخرة. كتلة من اللحم والدم والعصب والعظم تفكر وتقدر وتخترع وتبتدع، وتأتي بالمدهشات والأعاجيب من ثمار العقل، ونتائج الفكر وروائع التدبير، بفضل ما أفاض عليها نور السموات والأرض من نور. سبحانك يا نور السموات والأرض ! من منحته النور فقد هديته إلى سبيل الرشاد، ومن حرمته فإنه يضل ضلالاً بعيدًا. ووحي اللَّه تعالى إلى رسله وأنبيائه، وشرائعه التي أنزلها لعباده، نور يهتدون به طريق السعادة. وأعداء الحق يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم، ويأبي اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فمن اهتدى بنور الشرائع في الدنيا، وسار على هداه ـ متعه اللَّه بالنور الأخروي الذي يشع من المؤمنين، ولا يخضع لقوانين النور المعروفة في هذه الحياة الدنيا. قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم}، وقال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}، وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. هذا وقد جعل رب العزة النور حجابًا له دون خلقه رحمة بهم ورأفة بضعفهم. روي أن جبريل عليه السلام قال: لله دون العرش سبعون حجابًا لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حين سئل: هل رأيت ربك؟: " نور أنى أراه وحجابه النور؟" وفي رواية: " ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره" أي: لو انكشفت من أنوار اللَّه التي تحجب العباد عنه شيء لأهلك كل شيء وقع عليه ذلك النور، كما خر موسى صعقا، ودك الجبل دكًا لما تجلي اللَّه سبحانه وتعالى. ولربنا سبحانه نور ذاتي لا يشبهه شيء مما نعرف ومما لا نعرف من هذه الأنوار المخلوقة قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}، وقال عليه الصلاة والسلام من دعاء الطائف المأثور: " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو ينزل بي سخطك". وكان السراج المنير صلى الله عليه وسلم يحب النور، نور الحق والخير والفضيلة، ويسأل اللَّه أن يجعل النور في كثير من أعضائه. فمن مأثور دعائه صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا". ومراده عليه الصلاة والسلام: أن يدعو ربه- وهو نور السموات والأرض- أن يجعل مداركه كلها تتصرف دائمًا إلى الحق والخير والفضيلة، وأن يجعل سبيله دائمًا إلى الحق والخير والفضيلة، وأن يجعل الهداية والتوفيق ملازمين له في سائر تصرفاته، وجميع أعماله ومعاملاته، حتى يتم له الفضل من جميع جهاته، ويحظى برضوان اللَّه في جميع أوقاته. وقد جعل اللَّه النور حظ المؤمنين الأتقياء فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. نسأله تعالى بنور وجهه الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة: أن يجعل لنا نورًا نمشي به، يسعى بين أيدينا وبأيماننا، وأن يكتب لنا التوفيق والهداية إلى أمثل طريق. إنه أكرم مسئول ونعم المجيب.
أبو الوفاء محمد درويش
المصدر مجلة التوحيد | |
|