العائق الثاني: عدم مرعاة الكفاءة بين الرجل والمراة.
الكفاءة معناها في اللغة : المساواة والمماثلة , والمقصود أن يكون كل من الرجل والمرأة متساويان في الدين والحسب والمال والعلم وغير ذلك , والكفاءة في الزواج معتبرة شرعا وأن اختلف الفقهاء فيها ولكن الكفاءة في الدين هي المعيار الصحيح في القبول أو الرفض وغيره اجتهاد لا دليل عليه.
- قال ابن القيم في الزاد ما مختصره :
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (1 -الحجرات
- وفي الترمذي : عنه صلى الله عليه وسلم : [ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا : يا رسول الله ! وإن كان فيه ؟ فقال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ] ثلاث مراتوزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة ابنه وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف .. ثم قال:
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا فلا تزوج مسلمة بكافر ولا عفيفة بفاجر ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ولم يعتبر نسبا ولا صناعة ولا غنى ولا حرية فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات وللفقراء نكاح الموسرات
وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة فقال مالك في ظاهر مذهبه إنها الدين وفي رواية عنه : إنها ثلاثة : الدين والحرية والسلامة من العيوب
وقال أبو حنيفة : هي النسب والدين
وقال أحمد في رواية عنه : هي الدين والنسب خاصة وفي رواية أخرى : هي خمسة : الدين والنسب والحرية والصناعة والمال
وقال أصحاب الشافعي : يعتبر فيها الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة
ثم قال –رحمه الله- بعد كلام- فإنه لم يقل أحمد ولا أحد من العلماء : إن نكاح الفقير للموسرة باطل وإن رضيت ولا يقول هو ولا أحد : إن نكاح الهاشمية لغير الهاشمي والقرشية لغير القرشي باطل وإنما نبهنا على هذا لأن كثيرا من أصحابنا يحكون الخلاف في الكفاءة هل هي حق لله أو للآدمي ؟ ويطلقون مع قولهم : إن الكفاءة هي الخصال المذكورة وفي هذا من التساهل وعدم التحقيق ما فيه. اهـ
قلت: إن الكفاءة في الدين معتبرة شرعا وفي غيرها كالحسب والنسب والغني ..الخ فقد اختلف الفقهاء كما ذكر ابن القيم .
وأننا نريالأخذ بالكفاءات الأخرى مع الدين كالحسب والنسب والعلم والمال وما أشبه ذلك , وننبه أنه ليس شرطا في صحة النكاح من عدمه .. قطعا لا .. فإذا تزوجت المرأة المتعلمة ولنقل حاصلة علي الماجستير مثلاً من رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة اللهم إلا صنعه يرتزق منها ورضيت به زوجا لها, هل يكون هذا النكاح باطل ؟
قطعاً لا... مادام تتوفر فيه شروطه الشرعية من صداق وموافقة ولي وإعلان وشهود ..الخ
وإنما المقصود هو هل تستمر العشرة والسعادة رغم الاختلاف بينهما ؟ .. ربما نعم.. وربما لا!!
ولكن أكثر التجارب والأبحاث الاجتماعية تشير إلي صعوبة استمرارها لعشرات من الأسباب وما قلته عن العلم نقوله عن الحسب والنسب والمال ...الخ.. وأكرر القول أن الدين هو الأساس وغيره اجتهاد لا دليل عليه ولكن ليس هناك ما يمنع البتة من الأخذ بالكفاءة في أمور أخري قطعاً.
وعمدتي في قولي هذا قصة أم المؤمنين زينب بنت جحش –رضي الله عنها-فقد أراد النبي e من مولاه زيد أن يتزوج من زينب بنت جحش , ولكن زينب ما كانت تستطيع أن تتزوج وهي علي ما هي عليه من حسب ونسب من مولي من الموالي , وقالت يومئذ لا أتزوجه ابدأ علي الرغم من حرصها علي طاعة النبي e ,حتي نزل قوله تعالي:
(ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً (36)-الأحزاب
فتزوجته طاعة لله ولرسوله e ثم حدث ما حدث من حكمة الله وطلاقها منه ليتزوجها النبي e ليقضي النبي علي عادة تحريم زواج زوجة ابنه بالتبني .
قال ابن كثير في تفسيره لأية الأحزاب التي ذكرناها أنفا :
قال ابن لهيعة عن ابن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : [ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت منه وقالت : أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة فأنزل الله تعالى : { ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ } ] الآية
اهـ
ومن ثم نكرر القول بأهمية الكفاءة في الدين بصفة خاصة وغيره بصفة عامة لدوام العشرة والتفاهم واستقرار الحياة الزوجية والله أعلم.
العائق الثالث: عجز الرجل عن القوامة علي أهله
قال تعالي (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )-النساء/34
فالوضع الصحيح هو قوامة الرجل علي المرأة وذلك بقدرته علي الإنفاق وبحكم خلقته التي خلقها الله عليه من قوة وتحمل, وجعله مسئولاً عن السعي للرزق والعمل علي توفير حياة كريمة لأسرته , ولا يلزم المرأة أن تعمل للأنفاق علي زوجها بحكم خلقتها وضعفها , ولكن عليها القيام بمهامها من خدمة الزوج ورعاية أبنائه وما أشبه ذلك, وهذا هو الوضع الطبيعي والمعيار الصحيح لاستقرار السعادة والخلل في ذلك يؤدي إلي فساد العلاقة الزوجية حتماً.
ولكن في هذا الزمن خرجت المرأة تنافس الرجل في السعي للرزق والإنفاق لضرورة وبغير ضرورة حباً في إثبات الذات والتحرر!!
حتي جلس كثيراً من الرجال في بيوتهم عاطلين بلا عمل بيما نسائهم يعملن ولا يخفي ما في ذلك من المفاسد العظيمة.
وللألباني في آداب الزفاف(1/250) كلام نفيس وفيه ما شفي وكفي.. قال ما مختصره:
"ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها وما هو إلا خدمتها إياه ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها وهذا يجعلها هي القوامة عليه وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى فثبت أنه لا بد لها من خدمته وهذا هو المراد.
وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق بل وفضلت الرجل عليها درجة .اهـ
ومن ثم كانت تلك العوائق الثلاثة من الأمور التي ينبغي أن لا يجهلها الكثير من المسلمين عند الزواج لأنها تؤدي بالتبعة إلي الكثير من حالات الفشل في العلاقات الزوجية فتنتهي بالطلاق أو الخلع وهو النهاية المتوقعة للجهل بمثل هذه الأمور .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
.