الشيخ سيد Ù…Ø¨Ø§Ø صاحب الموقع
عدد الرسائل : 2210 العمر : 63 العمل/الترفيه : كاتب اسلامى تاريخ التسجيل : 07/12/2008
| موضوع: الرحمة المهداة للدكتور عمر عبد الكافي مارس 8th 2012, 6:38 pm | |
|
الرحمة المهداة سأل الحسن بن علي (رضي الله عنه)، هند بن أبي هالة عن أوصاف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوصف له بدنه فكان مما قال (يمشي هوناً ، ذريع المشية "واسع الخطو" إذا مشي كأنما ينحط من صبب "يهبط بقوة" و إذا التفت التفت جميعاً . خافض الطرف ، نظره إلي الأرض أطول من نظره إلي السماء ، جل نظره الملاحظة "لا يحدق" يسوق أصحابه و يبدأ من لقيه بالسلام).
قلت : صف لي منطقه . قال : (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، و لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام و يختمه بأشداقه "لا بأطراف فمه" و يتكلم بجوامع الكلم ، فصلا "لا فضول فيه ولا تقصير" دمثاً ليس بالجافي و لا المهين – يعظم النعمة و إن دقت . لا يذم شيئاً ، و لم يكن يذم ذواقاً "ما يطعم" و لا يمدحه . و لا يقام لغضبه ، إذا تعرض للحق بشئ حتي ينتصر له . لا يغضب لنفسه ولا ينتضر لها "سماحة" إذا أشار أشار بكفه كلها . و إذا تعجب قلبها ، و إذا غضب أعرض و أشاح . و إذا فرح غض طرفه . جل ضحكه التبسم . و يفتر عن مثل حب الغمام.) و قال ابن أبي هالة يصف مخرجه (صلى الله عليه وسلم) علي الناس : (كان (صلى الله عليه وسلم) يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، يؤلف أصحابه و لا يفرقهم ، يكرم كريم كل قوم و يوليه عليهم . و يحذر الناس و يحترس منهم ، من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره .يتفقد أصحابه ، و يسأل الناس عما في الناس ، و يحسن الحسن و يصوبه ، و يقبح القبيح و يهونه. معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا . ثم قال يصف مجلسه (صلى الله عليه وسلم) : كان (صلى الله عليه وسلم) لا يجلس و لا يقوم إلا علي ذكر ، و لا يوطن الأماكن – لا يميز لنفسه مكانا إذا انتهي إلي القوم ، جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك ، و يعطي كل جلسائه نصيبه ، حتي لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه ، من جالسه أو قاومه لحاجة صابرة حتي يكون هو المنصرف عنه ، و من سأله حاجة لم يرده إلا بها ، أو بميسور من القول ، قد وسع الناس بسطه و خلقه ، فصار لهم أباً ، و صاروا عنده في الحق متقاربين ، يتفاضلون عنده بالتقوي ، مجلسه مجلس حلم و حياء و صبر و أمانة ، لا ترفع فيه الأصوات . و لا تؤبن فيه الحرم "لا تخشي فلتاته" يتعاطفون بالتقوي . يوقرون الكبير و يرحمون الصغير و يرفدون ذا الحاجة ، و يؤنسون الغريب . و قال يصف سيرته : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ و لا غليظ ، و لا صخاب ، و لا فحاش و لا عتاب و لا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي و لا يقنط منه ، قد ترك نفسه من ثلاث : الرياء و الإكثار و ما لا يعنيه . و ترك الناس من ثلاث : لا يذم أحدا و لا يعيره ، و لا يطلب عورته و لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه . إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما علي رؤوسهم الطير . و إذا سكت تكلموا . لا يتنازعون عنده الحديث . من تكلم عنده أنصتوا له حتي يفرغ حديثهم حديث أولهم . يضحك مما يضحكون منه . و يعجب مما يعجبون منه و يصبر للغريب علي الجفوة في المنطق و يقول : إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلب فأرفدوه ، و لا يطلب الثناء إلا من مكافئ . هذه خطوط قصار لما يراه الناس من مظاهر الكمال في سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) . أما حقيقة ما بني عليه هذا الرسول الكريم من أمجاد و شمائل ، فأمر لا يدرك كنهه . و معرفة العظماء لا يطيقها كل أحد ، فكيف بعظيم خلائقه القرآن ؟ إن الأمة التي أُخرجت للناس في المدينة بلغت الأوج. كانت تعمل و تجاهد لله وحده . و تسعي إلي غايتها المرموقة في جذل و ثقة ، التفت حول نبيها التفاف التلاميذ بالعلم و الجند بالقائد و الأبناء بالوالد الحنون . و تساندت فيما بينها بالأخوة المتبادلة المتناصرة ، فهم نفس واحدة في أجسام متعددة و لبنات مشدودة في بناء منسق صلب. و لقد ربي هذا الإنسان العظيم (صلى الله عليه وسلم) أناساً شرع الله حدودهم و عقولهم لهذا الدين العظيم فرأيناهم علي مر التاريخ ملائكة البشر يمشون مطمئنين فوق هذه الأرض . روي أن (أبا خيثمة) قتل ابنه في معركة (بدر) فجاء إلي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : لقد أخطأتني وقعة بدر و كنت – و الله – عليها حريصاً ، حتي ساهمت ابني في الخروج ، فخرج "في القرعة" سهمه . فرزق الشهادة . و قد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة ، يسرح في ثمار الجنة ، و أنهارها . يقول : إلحق بنا ترافقنا في الجنة ، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً . ثم قال : و قد أصبحت يا رسول الله مشتاقاً إلي مرافقته ، و قد كبرت سني و رق عظمي و أحببت لقاء ربي : فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة و مرافقة ابني خيثمة في الجنة ، فدعا الرسول عليه الصلاة و السلام له. فقتل (بأحد) شهيداً . و كان ((عمرو بن الجموح)) أعرج شديد العرج . و كان له أربعة أبناء شباب يغزون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلما توجه (صلى الله عليه وسلم) إلي أحد أراد أن يخرج معه . فقال له بنوه : إن الله جعل لك رخصة ، فلو قعدت و نحن نكفيك و قد وضع الله عنك الجهاد . فأتي عمرو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : إن بني هؤلاء يمنعوني أن أجاهد معك ، و والله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه الجنة ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد)، و قال لبنيه :(و ما عليكم أن تدعوه لعل الله يرزقه الشهادة)، فخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقتل يوم أحد شهيداً . و قال نعيم بن مالك : يا نبي الله لا تحرمنا الجنة "و ذلك قبل نشوب القتال" فوالذي نفسي بيده لأدخلنها ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (بم) ؟ قال : بأني أحب الله و رسوله (صلى الله عليه وسلم) و لا أفر يوم الزحف . فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (صدقت) و استشهد يومئذ . و قال عبد الله بن جحش في ذلك اليوم : اللهم إني أقسم عليك أن ألأقي العدو غداً فيقتلوني ثم يبقروا بطني و يجدعوا أنفي و أذني ثم تسألني : فيم ذلك ؟ فأقول فيك . هذه صورة للرجولة الفارعة التي اصطدم بها الكفر أول المعركة و آخرها فماد أمامها ، و اضطربت من تحت أقدامه الأرض ، فما ربح شيئاً في بداية القتال ، و لا انتفع بما ربح آخره . و هذا اللون من البطولة مدفون تحت جدران التاريخ الإسلامي القائم إلي اليوم ، و ما يقوم للإسلام صرح ولا ينكشف عنه طغيان ، إلا بهذه القوي المذخورة المضغوطة في أفئدة الصديقين و الشهداء . من سر هذا الإلهام ؟ من مشرق هذا الضياء ؟ من مبعث هذا الإقتدار ؟ . إنه محمد (صلى الله عليه وسلم) ، إنه هو الذي ربي ذلكم الجيل الفذ و من قلبه الكبير أُترعت هذه القلوب تفانياً في الله و إيثاراً لما عنده . و قد أصيب هذا النبي الجليل في أحد في بدنه إذ دخلت حلقات المغفر في وجهه . فأكب عليه أبو عبادة يعالج انتزاعها بفمه ، فما خلصت من لحمه حتي سقطت معها ثنيتاه . و نزف الدم بغزارة من جراحته ، كلما سكب عليه الماء ازداد دفقاً ، فما استمسك حتي أحرقت قطعة من حصير فألصقت به . و كسرت كذلك رباعيته ، و كسرت البيضة علي رأسه . و مع ذلك فقد ظل متقد الذهن ، يوجه أصحابه إلي الخير حتي انتهت المعركة . ثم أصيب في أهله ، فقتل حمزة بحربة انغرست في أحشائه ، و جائت هند امرأة أبي سفيان ، فاستخرجت كبده من بطنه و لاكتها بفمها ثم لفظتها لانفجار المرارة . و قد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعز حمزة و يحبه أشد الحب فلما رأي شناعة المثلي في جسمه تألم أشد الألم و قال : (لن أصاب بمثلك أبداً و ما وقفت قط موقفاً أغيظ إلي من هذا)، بيد أن التسليم لله لم يلبث أن مسح الأحزان العارضة و عاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتفقد أصحابه و يخفف ما نزل بهم و يسكب من إيمانه علي نفوسهم ما يملؤها عزاءً و رضاً عن الله و استكانة لقضائه . روي الإمام أحمد : لما كان يوم أحد ، و انكفأ المشركون قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (استووا حتي اثني على الله عز و جل) ، فصاروا خلفه صفوفاً فقال : (اللهم لك الحمد كله ، اللهم لا قابض لما بسطت و لا باسط لما قبضت و لا هادي لمن أضللت و لا مضل لمن هديت و لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ، و لا مقرب لما باعدت و لا مبعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك و رحمتك و فضلك و رزقك ، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، اللهم إني أسألك العون يوم العيلة و الأمن يوم الخوف اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا و شر ما منعتنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان و زينه في قلوبنا و كره إلينا الكفر و الفسوق و العصيان و اجعلنا من الراشدين ، اللهم توفنا مسلمين و أحينا مسلمين و ألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين ، اللهم قاتل الكفرة اللذين يكذبون رسلك و يصدون عن سبيلك و اجعل عليهم رجزك و عذابك ، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق). إنه كان مثالاً حياً للرجولة و بث الأمل في قلوب من حوله من الصحابة ، ففي حفر الخندق يقص علينا الصحابي الجليل عمرو بن عوف (رضي الله عنه) فيقول : كنت أنا و سلمان و حذيفة و النعمان بن مقرن و ستة من الأنصار في أربعين ذراعاً "من الأرض التي كلفوا بحفرها" فحفرنا حتي وصلنا إلي صخرة بيضاء كسرت حديدنا و شقت علينا ، فذهب سلمان إلي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخبره عن هذه الصخرة التي اعترضت عملهم و أعجزت معاولهم . فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) و أخذ من سلمان المعول ثم ضرب الصخرة ضربة صدعتها و تطاير منها شرر أضاء خلل هذا الجو الداكن ، و كبر (صلى الله عليه وسلم) تكبير فتح و كبر المسلمون ثم ضربها الثانية فكذلك ثم الثالثة فكذلك ، تفتت الصخرة تحت ضربات الرجل الأييد الجلد الموصول بالسماء الراسخ علي الأرض و نظر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلي صحبه و قد أشرق علي نفسه الكبيرة شعاع من الثقة الغامرة و الأمل الحلو فقال يحدث صحبه عن السنا المنقدح بين حديد المعول و حدة الصخر : أضاء لي في الأولي قصور الحيرة و مدائن كسري كأنها أنياب الكلاب و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، و في الثانية أضاء القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها و أضاء لي الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا ، فاستبشر المسلمون و قالوا لله موعود صادق . فلما انسابت الأحزاب حول المدينة و ضيقوا عليها الخناق لم تطر نفوس المسلمين شعاعاً بل جابهوا الحاضر المر و هم موطودو الأمل في الغد الكريم . "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا" االأحزاب. أما الواهنون و المرتابون و مرضي القلوب فقد تندروا بأحاديث الفتح و ظنوها أماني المغرورين و قالوا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة و مدائن كسري و أنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا . و فيهم قال الله تعلي : "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا" الأحزاب . إن الإسلام نجده اليوم كما هو ان لم يكن في أصحابه فهو منصور في كتابه الذي لا يتأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه . إن عمر التلميذ النابه للرسول (صلى الله عليه وسلم) لما سمع "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ " المائدة، بكي رضي الله عنه فقيل له ما يبكيك ؟ قال: انه ليس بعد الكمال إلا النقصان كأنما استشعر وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) و هو الذي قال لهم في حجة الوداع : ((خذوا عني مناسككم فلعلي لا أرجع بعد عامي هذا)) .
صلوات ربي و سلامه عليه .
| |
|