حديث مع النفس
الحمد لله وكفي والصلاة علي من أصطفي وبعد ...
أن من أصعب اللحظات في حياة الإنسان هي اللحظات التي يحاسب فيها نفسه, لأنها لحظات صدق وصفاء مع النفس لا يدخل فيها رياء و لا كذب ولا خداع ولا تدليس ولا هوي ولا شيطان يستطيع أن يفسد هذه اللحظات الطيبة أن أخلص الإنسان النية وحاسب نفسه قبل أن يحاسبه رب العباد سبحانه .. نعم أنها لحظات صدق لا مصلحة للإنسان فيهاأن يكذب علي نفسه ويخدعها لأنه يعرف حقيقتها فهي نفسه التي بين جنبيه , وليس يخاف من مخلوق أن يطلع علي عيوبها لأنه لا يعلم ولا يشعر ما في نفسه إلا هو والله جل وعلا علام الغيوم الذي لا تخفي عليه خافية ...
فهل سألت نفسك يوما في مثل هذه اللحظات.. وقلت لها يا نفسي ماذا تريدي وماذا تتمني من الدنيا؟
هل سألت نفسك يوماً وقلت يا نفسي الجنة تريدين وما فيها من نعيمٍ مقيم إما النار وما فيها من عذاباٍ اليم ؟ ماذا كان جوابها يا مسكين وهي تدفعك دفعا إلي نار السعير
هل سألت نفسك يوماً لماذا أنتِ متكبر علي عباد الله ألا تعلمين أن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر, وإنما يدخلها من تواضع لله وقال لله وعمل لله وأين أنت من قوله جل وعلا " تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ ولا فَسَاداً والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) "- القصص
هل سألت نفسك في لحظة حسابك إياها, وقلت لها يا نفسي عمر الدنيا محدود ونعيم الآخرة ممدود وهي خير وأبقي ..يا نفسي أتق الله ولا تقولي إلا حقا.. يا نفسي استقيمي علي طريق الله , واصبري علي أشواك الطريق فالجنة لا يدخلها أحد إلا بمشقة .. لا داعي للهموم والغموم فلا راد لقضاء الله ومن رضا فله الرضا ومن سخط فلا يلومن إلا نفسه
قال تعالي : ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)-الشمس
أيها الأحبة في الله : قلت لنفسي في لحظة حساب أحاورها يا نفسي أنا صاحبك ما يضرك يضرني وما يسعدك يسعدني أنتي مني وأنا منك, ولكنك أمارة بالسوء .. يا نفسي ما أضعفك علي الطاعة وما أشدك علي المعصية , يا نفسي أريد رضا الله عني وعنك وأتمني شفاعة رسوله e.. يا نفسي أتسمعيني
قالت لي : تريد طاعة الله يا مسكين وتتمني شفاعة النبي الأمين ....كيف وأنت حالك حالك .وماأكثر المعاصي التي ارتكبها بسببك وما أكثر الشهوات التي تضعها في طريقي .. وما أعمق بحور الفتن التي أغرق فيها وأنت ساهي لاهي عني
قلت لها : كيف ؟ أنا أصلي الصلاة في وقتها وأحافظ علي الجمعة والجماعات واذكر الله كثيرا وأرتل القران ترتيلا , وأصبر علي البلية من غير شكوي ,وأشكر عند النعمة لا أتكبر علي أحد ولا أكره أحد .. لا أظلم ولا أكذب وليس لي غاية في الدنيا إلا رضا الله ..
.. وكثيرا من أحبابي و جيراني وأصحابي حالهم كحالي فكيف أيتها النفس يكون حالي حالك ؟
قالت : أنت وغيرك قد غركم بالله الغرور وضحك عليكم إبليس بتلبيسه .. أنا وغيري من نفوس أحبابك وجيرانك وأصدقائك قد أضنانا حالكم وجهلكم فأنتم تقولون مالا تفعلون وتفعلون مالا تقولون
قلت لها : ماذا تقصدين .. أريد توضيحاَ ؟
قالت لي : كما قلت يضرني ما يضرك ويسعدني ما يسعدك تخيل معي لو أن النبي e جاء في زمانك ورأي حالك وحال أصحابك .. تخيل معي لو سار النبي e في شوارع فيصل والهرم أوغيرهما ورأي نسائكم وبناتكم كاسيات عاريات متبرجات بلا حياء وهو الذي بشرهم بالنار والنبي e التي تطمع في شفاعته أنت وأصحابك يحذر ويقول " كلكم راع وكلكم مسول عن رعيته " فهل رعيتم الله في بناتكم ونسائكم
.. ثم تخيل النبي e يدخل مساجدكم وقت الصلاة وينظر كيف تصلون وهو القائل ( صلوا
كما رأيتموني أصلي ) فيجد أذان الصلاة وهو شعار تمد حروف كلماته مدا , فيخرجها عن معناها ,ويجد الناس بين الأذان والإقامة عن ذكر الله منصرفون وفي أحاديث الدنيا يخوضون وعن الدعاء وهو مستجاب بين الأذان والإقامة صامتون, وعن الصلاة عليه وسؤال الله تعالي أن يعطيه الوسيلة والمقام المحمود يوم القيامة ..
. تخيل معي وهو يري من يكبر ويقرأ ومن يركع و يسجد في الصلاة فلا يجد سنته أتبعوا ولا بهديه اهتدوا وإنما يجد نفوس لا تخشع وألسنة لا تحسن القراءة
وأجساد متباعدة وكأنما أصحابها يصلون فرادي وليس في جماعة . يؤم الناس من لا يفقه دين الله ولا يحفظ كتابه , فاذا خرجوا من المساجد صاروا مسلمون بلا إسلام .. غيبة ونميمة وكذب وسب وطاعة للشيطان .. وهناك الكثير مثل هذا ما يجعلك تستحي أن تسأل النبي أن يشفع لك..
تخيل معي لو قرأ النبي e ما تنشره الجرائد والمجلات من فضائح وكوارث ومصائب .. فهذه امرأة تجمع بين ثلاث رجال في وقت واحد وتعاشرهم .. وهذا أب يزني بابنته .. وذاك شاب يقتل أباه من أجل الميراث .. تخيل لو قرأ النبي e مقالات يتجرأ أصحابها علي القول علي الله بخير علم ويفتون في الدين بالهوي .. تخيل لو قرأ النبي مقالات تنكر الشفاعة له وأخري تتهكم عن وجود عذاب القبر .. وغيرهما يسخر من النقاب والحجاب .. أليس غريب أن يعود أبو جهل بعد أن مات من مئات السنين أما أنه له أحفاد في عصر الأستنساخ
تخيل النبي e يدخل بيوتكم ويري الرجل يترك زوجته في خلوة مع من لا يحل لها , ويري الرجل يجلس بلا حياء هو وأهلة أمام شاشة التلفاز يشاهدون الأفلام والمسلسلات , وما تعرضه أطباق الدش من بلاوي وإسفاف إلي ما بعد منتصف الليل فلا يستطيعون قيام الليل ولا يستطيعون علي صلاة الفجر ويهملون ركعتي الفجر وهي خير من الدنيا وبما فيها.
ثم قالت لي : ألم أقل لك أنكم تقولون مالا تفعلون وتفعلون مالا تقولون
قلت يا نفسي : صدقت و أنت علي حق .. ولكن دليني علي وسائل النجاة لي ولنفوس أصحابي قبل فوات الأوان
قالت لي :عليك بأربعة وهم :
-أتبع هدي النبي e في قوله وعمله وإياك والهوي فهو يضلك عن الحق.
-صاحب الصالحين وإياك وأهل السوء فأنهم أهل دنيا
-أكثر من ذكر الله فأن بذكر الله تطمئن القلوب وتتعلق النفوس بخالقها جل وعلا
- تعلم العلم وأعمل به وكن ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
قلت : صدقت يا نفسي والحمد لله الذي هداني للحق..
أخي الكريم... هذه هي أربع وسائل لإصلاح النفوس وترويضها علي صراط الله المستقيم فهل أنت مستعد أخي الكريم ..
أختي الكريمة علينا أن نبدأ من جديد البداية الصحيحة. وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
